ذاكرة لــ الحُزن والوجع لم يشأء لها القدر أن تنتهي ...!!!

 ذاكرة لــ الحُزن والوجع والتي لم يشأء لها القدر أن تنتهي ...!!!


رجُل الوقت يأتي مُتأخرا , يقذف بأنفاسه الأخيرة واللاهثة في صدر الحنين , يُوزع فوضاه في كُل الأمكنة , يتحسس الذكرى في ساعات مُتأخرة , يبدأ بتقليب شريط الذكريات , تُباغته نوبات من النسيان وما بينها تقاطعات زمن أغفلة حتى أن يرى وجهه على مرآه زمن قاسي .
يستعيد انبهاره الأول , يُعاود فتح روايته , يتحسس فيها بعض ذاته ريثما يخُفف عن نفسه بعض القلق المُحدق به .
أدلته تتجاوز أفق ملغُوم في طياته انبهارات وعلامات استفهام كبيرة , يُعاود النظر فيما حوله ليجد شيء جديد يرى نفسه فيه أو على الأقل يرى تناقضاته التي يُواجهها كُل يوم في لحظة عابرة .
كُل شيء يحدث عن غفلة ودون سابق إنذار الحُب والحنين والدهشة وحتى لحظات الحزن كُل ذلك يُصنع من ذاته مواجهات مُستمرة مع كائنات يتناقض معها , يحنٌ إليها ويسقط دُون الوصول إليها أحيانا أخرى .
يستلقي دُون أحلامه , يضع عشقه الذي حملته فُصول من تفاصيل الفلاحين والقُرى ليرى نفسه في مُواجهه حقيقية مع زمن منسي , زمن أستهلك كُل شيء فيه ولم يدع له مجال حتى ليرى مُذكرات من قُرى الفلاحين , من مواويل جدته التي وارت الثرى قبل عشرات السنين ليجد نفسه في ورطة عاطفية كبيرة , تتضخم وترتفع وتصل إلى حد إسقاط الدموع .
يتمالك نفسه , يُلملم بعض الأشياء المتطايرة في ثنايا ذاكرته , يمضي إلى زواياه (زوايا الحنين والحزن) يضغط بشده على الجانب المؤرق في ذاته ويستيقظ مُعلنا بداية لصباح جديد
 صباح آخر في ألفيه منحته حُزن قُرون ولم تدع له أي لحظات كي يسترجع بعض من تفاصيله أو حتى أن يرى الآخرين بشكل مُنصف في حياتهم وتفاصيلهم ولهثهم وراء لُقمة العيش , مُوزعين بين المنافي وبين أوطان جديدة منحتهم حُلم مُقزم لا يتعدى رُبما سيارة فارهة أو بيت في زاوية قرية ضيقة المعالم والحُدود .
تُرى ما الذي قاده ليُعاود الحُلم عن شُروخات الثورة وماهيات الإنجازات ؟
ما الذي عاد به إلى تفاصيل حرب اجتاحت الإنسان ومنحت أُسرته يُتم دائم ؟
أسئلة كثيرة تطوف في باله عن ماهيات القدر وماهيات الثورات ؟
وعلاقة الإنسان بشقف النضال والعائد الذي جنته الأوطان من وراء العبث واستمرار حالات القتل حتى بعد انطفاءات الوطن المُتكررة !
لم يكن ليعي شيء بقدر ما يستحضر لحظات الفجيعة التي تطوف في ذاكرته ...!
فجيعة الأوطان بالثورات , فجيعة أسرته بـــ (نائل) الابن الذي اغتالته فرامة حرب ليجدوه مقتول على قارعة الطريق ويسموه بعد ذلك شهيد ..!
تداخلت الأسئلة أمامه بذكرى شهادة نائل .!
من يُقتل في معركة تتسابق وسائل الإعلام لمنحة نياشين الشهادة وهم لا يعرفون أي قدر أغتاله أي قاتل منحة تصويبه رصاصة مُريحة استقرت في صدره لترديه قتيلا وهو الذي كان يحلم يوما ما بوظيفة مدنية تُوفر له بعض من لقمة العيش كي يبدءا في التفكير ببناء أسرة تُلملم حُلمة وتهدية بعض الأمان !
يا إلهي ما الذي يجري في هذا العالم ؟
تسمياتنا تعدت الجانب الإنساني في التضحيات والقدر لم يعد يمنحنا إلا اللحظات المُرة التي تردينا في غياهب الذاكرة إما شُهداء أو جوعى في عرض الشوارع نبحث عن ما نقتات به كي نبقى على قيد الحياة .
مازال السؤال حاضرا أمامه ما تعني الشهادة في حضرة الموت ..؟
وهل نائل مُدرج في قائمة الشُهداء ..؟
تجُول في خاطرة التضحية وما مدى اقترانها بالشهادة ؟
وإن كُنا نُقاتل لدى جلاد يُجيد التحكم في مصادر القتل ويُعدد من فرصه فينا هل نعد ذلك من باب التضحية من اجل الحياة ؟
وإن مُتنا هل ستستوعبنا قوائم الشهادات الكثيرة..؟
لا يعرف كيف تورط بهذه الأسئلة التي أثقلت هُمومه ؟
هُروبه من التزامات المُذاكرة وقرفها اليومي رُبما من أوصلته إلى حالة التناقضات هذه , زحمة المُدن وعدم قُدرتها على أتساع حُلمة بفوضاها وضوضاؤها .
كُل يوم لم يُعد يرى سوى مشاهد مُكررة وكأنه لم يُولد معها في قرن أبرز ملامحه هي الأرقام وسُرعة الأحداث التي تتوالى مُتخذة من الدم والتوسع الإعلامي كإمبراطوريات للحُكم .
تجُول في خاطرة فكرة زيارة عابرة لأسرته في إحدى قُرى مُحافظة إِب كي يُبدد قلق الجامعة من جانب وليرى أسرته وزُملائه الذين حلم معهم يوما ما أحلام بريئة تجاوزت الحُب والفقر ويافطات العدم من ناحية أخرى .
يبدءا في حزم أشيائه وحقيبته وهو في حالة عمل دؤوب في تجميع أغراضه , تجُول في ذاكرته رواية ((الجريمة والعِقاب)) لـــ ديستوفيكسي التي قرأها في مساءات القرية يخاف من الفقر لكنه يرى راسكو لينكوف بطل الرواية قرية من شخصه كُل يوم يترآي له وهو في حالة بشاعة تامة لأنه يعيش تحت ضغط الظروف مع توفير الحد الأدنى من مُتطلبات الطالب خارج المُعاناة اليومية والتناقضات التي يُلاقيها .
لملم أمتعته على عجل خوفا من تفاصيل أخرى تؤرقه وتجعله يعيش تفاصيل مُوحشة كُل لحظة .
يُغادر صنعاء وهي في حالة حُزن يومي باعتبارها المدينة التي يرتمي فيها كُل يمني غريب في أرجائها لكنه لم يرى فيها إلا مدينة مُستهلكة تدر للقادم ظهرها فيرى في تفاصيلها موته بعدة أوجه وعلى محطات مُوزعة .
يبصق عليها بقفزات حُلمة ويعتلي سيارة بيجوت في طريقة إلى مدينة إب الصغيرة فصنعاء مدينة لم تمنحه ذاته ولم يؤمن يوما ما إلا بقُبحها بسبب تضارب البحث عن الخُبز في عاصمة البُطون والأسماك الكبيرة .
فقد شهد في هذه المدينة أحداث كثيرة امتدت بين الحُروب التي واجهتها من جهة وبين حالات التفتيت اليومية التي تعيشها كتناقضات مُستمرة بين ثقافة الأمس وبين حُلم الحاضر والمُستقبل المُعتل .
كُل ذلك يحدث في مدينة رجالها ونساءها يتساوون فقط في صقيع يناير فاتحة السنة الميلادية التي تمنحهم مخابئ جديدة خوفا من البرد الذي يضرب في جُذوة المدينة .
ترى ما مدى التصالح بين مُدن العشق والفجيعة ؟
بين مدينة صنعاء ومُدن أخرى كثيرة أيهما أقدر على منح حُلمك طُرق وإيقاعات جديدة قادرة على انتشالك من مستنقع التشاؤم الذي يُلازمك في فراغاتك ؟
أي المُدن أصلح للعيش فيها بطُرق أقل وطأة من المُدن الأخرى ؟
يحدُث كُل ذلك وفجأة يجد نفسه على أبواب مدينة إب بقُراها المتناثرة ونسائها المُلثمات وكأنهن خارجات لتوهن من حالة عزاء تمتد لمئات السنين .
يأخذ نفس عميق ويغادر ضوضاء المدينة ليطل في أقل من ساعة على قرية ذاوية منحها ذات يوم ثقته الكبيرة وامتدت مشاربه من على زواياها الضيقة
هو الرجل الهارب من ذاته التي نساها في بوابة مُدن حافلة بالعُهر اليومي ليجد نفسه أمام قُبح آخر يتمثل في تغيير كُل جماليات الأصدقاء وتفردهم بنوع من الأنانية , تُبدد قلقه بعض الشيء ويحاول أن يقترب منهم مازحا فلا ترى عند الآخر سوى حُلم واحد هو الخروج والاغتراب للنجاة من حالة الفقر المُدقع الذي تُعاني منه أسرته .
يا إلهي ما الذي يحدُث بالضبط ؟
الكُل يعيش حالة اضطراب نفسي وتوجس من كُل شيء .
الخُبز والثورات والاضطراب الأمني وحالة اليتم , الكُل يريد أن يهرب من واقعة ويختبئ في أي مُفاجأة تمنحه حالة من الاستقرار .
يا إلهي الوطن صار يأكل أبناءة في الليل ويمنحهم فجيعتهم في عِز النهار .
الغالبية مُشاركة في الثورة والغالبية تجر خيبة أمل مُستمرة
الكُل يريد أن يعيش بشُروط أفضل وبوضعية تنقلهم من حالة العدمية إلى وضع يُرتب فجائعهم وشكل حياتهم كي يستطيعوا الحُلم ويعيشوا مثل الآخرين .
تتواصل ضحكات زُملائه في يوم سُليماني عنيف , يستعرضون فيه رجولتهم , ويأخذوا بحُلمهم منحى عميق .
هُنالك من يحلم بعد انطفاء حالة الفقر التي يعيشها في الهجرة إلى أمريكا ليعود وقد كسب من المال الوفير وكُل ذلك سوف يحصل إذا ما أكمل شهادته الجامعية في قسم الهندسة التي ستنقله إلى نيويورك أو إحدى مقاهي فلوريدا .
تحت هنجر مُصاب بحالة صدى وذحل من عشرات السنين تنطلق صيحاتهم مُتجاوزين فقرهم وحالة الابتذال التي يعيشوها رغبة منهم في اختراق واقعهم الفج والتوغل في أعماق الصُدفة والمُفاجأة .
انطفأت الساعة السُليمانية والكُل في حالة تخدير بعد هذيان أستمر لأكثر من ساعتين وانطفأ معها بعض من تشنُجاتهم وحالتهم التي اعتصرتها الظُروف .
أمضى قُرابة أسبوع في القرية ليُعاود التوجه مرة أخرى لإتمام شِهادته الجامعية في صنعاء كغيرة من مئات الآلاف من شباب اليمن أن ينهي دراسته ويبحث عن فُرصة عمل جيده في تخصصه كي يعيش بشُروط أفضل ويُطور من مُدركاته في مجال تخصصه كُل ذلك لأجل خدمة وطنه الذي ناضل سنين ليوصل لهذه المرحلة من مراحل الدراسة الجامعية .










تتضارب الأحداث بعمق , تزداد حدة القلق ...!
فموسم الثورات في خُفوت وحالة الفقر هي من احتلت المساحة الأكبر في عُمر جيله والخارج لتوه من تناقُضات كبيرة على مُستوى الوطن وعلى مُستوى وضعة النفسي والمعيشي والأسري الصغير .
في مشهد يومي مُتقاطع بين الألم والوجع والأحداث المُتزاحمة والخالية من أي معنى للحياة المُستقرة والآمنة يُمرر حُلمة للنهوض بأي شكلية تجعله في حالة انتماء ذاتيه للوطن ولو بهوية افتراضية .
لم يعُد يرسم سوى لوحة بحجم مساحة ألمه وجُرحه الذي حمله من ثنايا الكُتب والروايات فتراه يأخذ نفسا مُربكا ليُواصل النظر بكُل دهشة لأي قادم .
تأخذك دوخة كلماته وترميك خارج صمتك ولو بشكل أكثر قسوة فتصبح مُهدد بالفجيعة أكثر في كُل وقت لتبدءا تفاصيل مُمتلئة بالقُروح اليومية والاندهاش باستثناء حالات الموت التي تتعدد في كُل التفاصيل وتأخذ الحيز الأكبر خاصة في المشاهد الإنسانية المُريعة .
الأمل عندما تتم قراءته من زاوية مُحبطة فإنه في الغالب يتحول إلى مرض يومي نتعايش معه بقُلوب مُتعبة (قُلوب لا تعرف الحياة) ولأنه مُصاب بحالة إعياء دائم تجده في كُل لحظة يبحث عن أفق يُحرك شُجونه وتتساوى فيه أحلامه مع مقص الواقع كي يبدوا أكثر قُدرة على المُقاومة كُل شيء باهت تجده يركُض ليمنح نفسه قدر آخر من التحولات ويحُول كل السخريات إلى حقائق وإثباتات قائمة على الأمل ليخرج من عُزلته ودوامته التي يعيشها بين ثنايا هُموم الدراسة وتعاسة وخيبات الظُروف إلا أنة يستدرك دائما بأن خيباته أقل من خيبات الأمة وخيبات الوطن التي سببت لديه جُرح وحسرة لا تموت إلا بانطفاء جسده المُتعب .
لا شيء يُعيد له حالة الطمأنينة فهو في حالة قلق دائم يظل يُتمتم في ذاته
لا شيء مع الموت سوى جُثتك الصامتة ..!
لا شيء مع الموت لا شيء لا شيء
لا معنى للحُب للهوية في مُستنقع لا يرى سوف الموت نفسه
 
 
 
 
الزمن يتشكل من جديد وكأنه ثورة أو مُسلسل أسطوري في السرد والتضحية
ثيابه رثة وحالة الانتشار والفوضى للأفكار مُنسوبها مُرتفع في ذاته
باعتباره جُزء من شعب آمن بأن الحُلم لن يتحقق إلا بانتزاعه من وجه جلادُه وذلك انتصارا للضحية وأن تدلي المقاصل وتساقُط الشُهداء لتجريدهم من حق الحياة يعي أن هذا التجريد مؤقت رُبما تجريد الجسد من حالة الحركة لكن معالم الأفق تستمر بأيادي أكثر بياضا كُحلم وضريبة يُدافع عنها حامل الهوية على امتداد خارطة الجسد المُشتعلة .
إن مزادات العطاء وبوُرصة الثورات دائما ما تُباع وتشتري في سوق أكثر عطاء (سوق قابل لكُل احتمالات الموت والحياة) .
وإن اللعنات التي تُكيلها الثكالى كخطيئة وعار في وجه أي مبدءا قابل للخديعة سوف تجد وتُشق طريقها يوما وتبحث عن منبت لها كي تزهر حالة إيمان ويُجني ثمارها الباحثون عن التاريخ الحقيقي للثورات .
فالضحية لم يسلم يوما ما من حالة الاندفاع والمُنتصر لم يرى بعينيه إلا فراغات الدم وحُثالات المُقاتلين يجُرون أذيال خيبتهم لاقتلاعهم وطحن أحلامها وطيها مع سرب الريح .
كُل التفاصيل تحدُث بسرعة مع تلاشي حالات القُبح وارتفاع منسوبها عن عُهر العقيدة التي يؤمن بها الإنسان .
فلا معنى للُغة في وجه مُتقي قارئها ولا معنى للعقيدة إذا لم تكُن مصحوبة بقوة دفاع ولا معنى للثورة إن لم تقتلع كُل جُذور ومُخلفات قرف الماضي ولا معنى للوطن إن لم يقيك جُوعه دُون أن يشبعك موتك وقتلاك في وضح النهار .
فالحُلم عندما يفيض عن ماهيات الواقع ويجد له مُتسع من الفراغات والنتوات للتحرُك ولو بشكل افتراضي فإنه يتحول إلى عبئ على حياة الفرد حتى يجد له منفذ للولوج فيه .
فلا نستطيع أن نعيش إلا بعُمر كامل من التناسي وذاكرة من الصبر وصوت وفراغ من أُغنيات
فهُنالك بوادر للتقهقر وهُنالك نُصوص مرسومة خارج ذاكرتنا المُتعبة وهُنالك عُتمة وتجلي وقانون للشوق ولو بـــ رُوح مُصاب وقلب لا يعرف النهايات .
كُل ما يعيش شريف حالة السرد هذه يعي ويؤمن أن روح زميلة نائل مازالت مُنتصبة ومُحلقة في سماء الحُلم كصهوة عاشق على أُفق وشمس مُبتلة ترميه خارج مساءاته الحزينة .
 
 
يوم أن هيا شريف نفسه لاستقبال حواسها في صباحات مُفعمة بالفرحة والجمال والذي أعتقد حينها أنه على موعد مع تفاصيل سعادة أبدية و لقاء غرامي نادر لم يكُن يعلم أن هُنالك أيضا فخ غرامي ومقلب مؤلم في كُل علاقة يبنيها اليمني وكأنه خارج لتوه من مُستنفع وعادات لا تعي إلا حالات القُبح فلم يعي شريف حينها أن أصابعه اللطيفة تُقابلها خشبة مُتفحمة وقلب لا يعرف النبض في قواميس محلية لا تعي سوى الموت كقوة حتمية في مواجهة الحياة .
فاللقاءات التي تحمي ذاكرتنا من حالة الإغلاق وتُكرس الأمل في التغيير هي أجدر بأن تفتح مزيد من الفُسحة الضيقة في الذات كي لا نظل مُستلقيي على جُروحنا في حالة عِناية مُركزة
يكتشف من هُول الفجيعة أمام واقعه الفج أن التوغل وعملية الشحن بأفكار لا يستوعبها الآخرون تنال منه أكثر من ما تجعله أكثر قُدرة على التحرر من طُرق الحياة المُلتوية .
فخارطة أي عشق عندما تكُون مقروضة الإطراف فإن مفعولها لا يتعدى الأحاسيس كما المُصاب بوعكة صحية خفيفة يتوجع وهو في حالة جيده وكعادة يومية يعُيشها كي يخفي تفاصيله الأخرى دون إظهارها للآخرين .
أدرك بعد لقاء خالي من العِطر والأحاسيس أنه رجل لا هواية له مع الحُب ولا هواية له أيضا مع التعب ولا حتى مع الفراغ بقدر ما يُعيش تفاصيل وقدرٌ اللحظة دُون تأنيب ودُون تكلُف .
إن أمل الفتاة التي عاش هاجسها بتفاصيل مسرُوقة لم يستيقظ إلا على حافة جُرحه وحافة جُنونه الذي أسماه يوما ما حُلم دُون أن يمتد إلى الأماكن ألأكثر غورا في القلب والذاكرة .
لم يعُد شريف مُحتاج لأي أنظمة عاطفية يبتكرها كي تمنحه موته البطيء أو ترديه قتيلا خارج حُروفه وكلماته التي يحسبها مشاريع تتفتح خارج عشعشة الحماقة وروتين الحياة اليومية
فهو يُفضل أن يسدل ستار عشقه على أي نافذة مفتوحة ليسترد بعض من حُريته الافتراضية التي من المُمكن أن تمنحه إياها الكِتابة .
فهو يتذكر جيدا ما قاله واسيني الأعرج الكاتب والأديب الجزائري :
((عندما أفرغت لك ما في قلبي صفعتني بصمتك وبتمتمات لا تفهمها إلا أنت))
فحالة الصمت هذه والتمتمات لا يفهمها إلا هو وحدة .






مُنذ البداية يعتريه قالب كامل من التأمل فهو لم يستطع أن يكتشف ذلك المنطق الجميل بدوافع بريئة رسمتها معالم طفولة وقرية وتربية تُوحي بأسماء اللهفة والحُب والدهشة والجُنون
لم يعُد في حضرة هذا المنطق العجيب أن يُبرر أي دوافع آخري للرسم أو للتأمل فلا منطق مع الذكرى ولا منطق مع الأُغنيات .
حُلم ومرسم بلا توقيع وذكريات دون تأمل فتراه يجهش بالبكاء كطفل لم يذرف دُموعه من قبل بملامح أكثر حُرقة وأكثر غصة وبطُرق لا تعرف سر تناقُضات الخوف وحُلم عُمر كامل بمساحات أكثر تقارُبا .
لم يتوقف التاريخ بالنسبة إلى شريف فهو كـــ جذوة في حالة اشتعال دائم بحماسة أو بحماقة تجده يطفئ فرائحة بضحكاته المُجلجلة وينسى ببرهة ملامح التعب والحُزن والغياب أيضا .
وأنت تُحدثه يُجيبك بكُل تلقائية رُبما ليرغمك على تأمل وُجودة أمامك بعفوية كاملة أو ليشتهي حالة الحُضور وتفاصيل اللحظة كي يتخلص من ذاكرة مُتعبة منحته طوال سنين حالة انطفاءات دائمة .
لا يستطيع أن يُلامس جُرح بقدر ما يُحاول أن يراه بشكل جُزيئات على ورق كي يعرف حتمية عِشقه للجُنون وللحياة أيضا .
فخطواته مُربكة ومُذيلة بالحسرة والحيرة والانسداد يتقدم برأس مُثقل بهموم زمن كامل من التناقضات التي آمن بها يوما ما كمسلك نهائي للخير والحق والجمال .
بحاجة لان يقًص شريط ذاكرته , ينتقل من تفاصيل الواقع إلى حُطام آخر أو لحالة نسيان جديدة تقية من عذاباته اليومية .
هُو كُل شيء , كُل شيء دونه لا يتصالح مع أي حُلم خُرافي ينتقل بعفونة مُضرجة بين السُطور
كُل شيء دونه للهلاك , كُل شيء يأخذ تدريجيا حُمى مجنونة الأطوار كي يضع غبائه وقرفه في اعتباراتها التي تجتاحه.
يُناديه صديقة مُحمد أيها المجنون أي مُغامرة صغتها وأي تفاصيل اختصرت هذا القلب المُمزق وأي يقين منحته نفسك كي تعبُر كُل هذا الموت الموشم بالفراغ والصمت .
شريف يُحملق إليه وكأن السؤال أتى من قلب زمن منسي بهواجس كبيرة ناهيك عن حجم المفاجأة التي يشعر بها .
تسحتيل الأحلام أحيانا وتتحول إلى صلبة غير قابلة لأي إيقاع مقبول يمُكن أن نمنحها صفة أو إيقاع مُعين قابل للاقتحام ومن أي الزوايا .
يأخذ شريف نفس ببطيء , يشعل سيجارة حنينه , يكبر ويصغر وفق مقامات البُكاء والضحك , يُجيد فقط الحملقة في جدار أسمنتي صلب ليته يُحرك أحلامه ويمنحه مقاماته المُتقطعة .
تُرى ما الذي يصحو مع ذاكرتنا كورد الليل وظلام الصباح !
ما الذي يمنح كنسية مهجورة نبض إيمان خارج فراغات المُتعبدين !
أسئلته في صِِراع دائم بين بوابة الحق ويافطات الحنين , بين خوف الباطل وتمُزقات الظروف
شريف ليس كـــ كُل الرجال هذا ما قاله عنه مُحمد صديقة الذي تقاسم معه ظُروف أشبه بالموت ابتدءا بجحيم البحث عن خُبز ليسدوا به رمقهم كي يُواصلوا رحلة دراستهم الجامعية وأخيرا الفكر الذي يؤمنون به والثقافة التي تعلموها من أُمهات الكُتب والروايات .
طارق زميل دراستهم يُغادر الوطن في رحلة علاجية لكنه لم يُغادر ذاكرتهم وفوضى حواسهم طارق وهو في طريقة إلى برلين عاصمة ألمانيا الإتحاديه ليُغالب مرض السرطان الذي ألم بوالدته والذي استطاع عن طريق مجموعة من زُملائه أن يحصل على منحة علاجية من مُنظمة المانيه تعمل في صنعاء فبدءا الأمل يُعشعش في ثناياه بإمكانية رؤية أمة وهي تتنفس وعلى قيد الحياة بعد أن خذلته وأغلقت في وجهه كُل فرص الأمل من المُنظمات المحلية أو حتى الجهات الحكومية التي أشبعته بالوعود والسرطان في حالة تحدي أمام حياة أمة .
أن تُخلق من أجل قيم ليس كحالة استنثائيه في العيش أو حتى في الموت بقدر ما تعيش خارج مساحاتك المُفترضة دُون أن تدعي أي أسماء وحِكايات لا تليق بعيشك وطريقك تفكيرك .
أن تُولد كحالة حُب عابر وأن تُدافع عن مشروع الهي وديني تحتاج لأن تستوعب ظُروفك وتحتاج لكم هائل من المُفردات التي تنتمي لقناعاتك كي تبقى على حافة الحِبر قلم غير قابل للكسر , لا يعرف الانحناء .
طارق كوجه آخر لشهادة زمن قاسي يؤمن إيمان قطعي أن الثغرات التي يُولد معها الإنسان كأمل للاستمرار بأي مشروع للحياة حتى وإن كانت مُفرغة من أي إمكانية للتحقيق هي من تجعلنا كيف نبحث عن ذاتنا فيها , كيف نعيش خارج الشيء المرسوم لنا , كي نؤمن بعدم فراغ القلب من الحُب , كإيماننا بالتغيير في شكلية حياتنا أيضا .
فعندما تُولد لتكتب لا تحتاج لهذا الكم الهائل من الحنين أو حتى من الفراغ بقدر ما تحتاج إلى حالة انتماء حقيقية بما تؤمن به كمُبرر نهائي للارتماء على ورقك المُهشم كي لا تُفارقك قوة إيمانك وتخدعك أمام مشروعك الإنساني الكبير .
فلا ينتج من صِدامات أي مُجتمع مُتزمت لا يؤمن بــ مبدءا الخلاص كقوة نهائية لتحقيق ما نُريد لن ينتج حتما إلا حالات مرضية مُضللة تحتمي بقوانين وضعية خاضعة للتدبير الإلهي وعالم من القوة الفيزيائية الفلكية التي تتجاذب معها حُلمة وتتنافر بغض النظر عن دوافع هذا الصِدام .
تعاطي جُرع من الحزن أيضا يُشكل حالة من الإدمان , لأنة من يصُب لعناته ونكساته على هذا العالم الحقير الذي لم يمنحه قيمة حبة دواء يُداري بها أمة خوفا من فجيعة الموت .
فاللحظات الحرجة في الحياة هي من تجعله في حالة تذبذب , يموُج في حالة نزيف كي يلتقط أوردة وخفقان الأمل ويضل يبحث عن حُلول لنكساته اليومية .
لا تستطيع أحيانا أن ترى مع فِرزة القدر إي إمكانية للتصالُح مع الذات لأنك مُصاب بموجة قلق تنتزعك من هُدوءك ومن مُحيطك فترى نفسك لا تقوى أحيانا على البُكاء .
معصيته الوحيدة التي تُؤنبه والُملازمة له هي عدم قُدرته على المناورة مثل الآخرين ولولا هذه المُنظمة التي تكرموا زُملائه أن يتوجه إليها لما عرف أن بعض المُناورات حتى في الألم يُمكن أن تهدينا شكل جديد للحياة .
 لا وقت لديه كي يُسرد كُل ذلك فهو لا زال خارج السيطرة على أعصابة التي يبحث عنها في مدينة برلين .
في أسبوعه الأول من رحلته والذي أستطاع أن يُنجز مُعاملة وتقرير طبيب اليمن عن حالة أمة بدورة قدمها للدكتور المُشرف على حالة أمة مريم فأستطاع في الأسبوع الأول أن يحصل على تطمينات شبة جيدة عن حالة أمة المرضية .
مفاتيح القوة التي كان يتمتع بها أمام زُملائه في تحدي ظروف وجلف العيش في صنعاء لم يعُد يرى منها شيء فهو مُنتظر رحمة الله وما يُمكن أن تُقدمة له العناية في إحدى مُستشفيات برلين الصحية .
تائه بين منفيين منفى مرضي يموت معه في اليوم ألف مره ومنفى توجسي هو قلة الخبرة التي من المُمكن أن يلاقيها في التعايش مع مناخ جديد خارج لواء الوطن الأم .
هو في تواصل دائم مع أسرته في اليمن بعدمية ظُروفه كُل ثلاثة أربعة يوم يحًاول أن يجري مُكالمة ولو شبه عابرة ومع ذلك لا زال في تواصل مع شريف كي يمنحه مزيدا من القوة في مُواجهة تعاسة الزمن ولو في كوكب أخر .
شريف كائن وليس كائن :
هو من تجرع مرارات البقاء في وطنه ..!
هو من بأكثر من ذِراع يُحاول أن يرى الغد يمتد ويكتسح بؤس الماضي اللعين ..!
مُهمته طريق مُظلم يشعر أنه لم يصل إلى قناعات مُثلى بالواقع وما يجري في كواليسه
يشعرك وأنت تقرا في جبهته كُل أصناف العذاب أنه لديه رؤية وهدف يُضحي من أجله وهذا الهدف هو من يفرض عليه طُقوس مُعينة في العيش وفي القراءة وفي تحليل من حوله من الأشخاص والعلاقات التي يُبنيها .
فلم يشعر يوما ما بانتصاراته أو سعادته وهو يعيش في دوامة من القهر اليومي , دوامة في شكل الحياة وتراجُع كل مُقومات الأمل لذا تراه مُصاب بنوبات انتكاسه الدائمة .
لم يدرك شريف أن للحياة أكثر من وجه , أكثر من أتساع وأكثر من إيقاع يتغلغل في أعماقنا سريعا ونعيش لحظات الدهشة بأوجه مُتعددة كالحب وكوجه الباحث عن خُبز أو حتى كابتسامة حارقة تلتحف قدرك اليومي لتجر ورائك مزيد من العطاءات أو مزيدا من الخراب .
فهُنالك مُدن لا تصلُح إلا للقتل اليومي ومُدن أخرى لا تصلح إلا للحب وأخرى للنسيان
هُنالك بين كُل مدينة وأخرى فجيعة تتعدى حُلم القادم إليها وُهنالك بين كُل فجيعة وأخرى موت يتجاوز مفهوم الحياة بسنتي مترات .
هل يا تُرى الموت يُقاس وفق منطق ومفهوم القادم إليه أم أنه له أيضا طُقوس خاصة تتجاوز روتين الحياة اليومي لتتساوى مع المفاجأة التي تردينا قتلى في أقل من لحظة !
مُحركات البحث والغوص في أماكن مُخيفة رُبما لا تمنحنا أيضا إلا حالة توجس وقلق دائم وتدفعنا للعودة لنكتشف أي بوح إنساني جميل كي نتحمل تكاليف القُدرة على الخروج من عُقدنا اليومية المُتتالية .
فهُنالك ميزان للحياة كميزان الموت وهُنالك موازين كثيرة أقل ما يُمكن تسميتها بموازين للتناقضات كالحرب والحُب وحالات التدمير .
بين كِثرة هذه الموازين لم نُؤمن جيدا بميزان يفرز حالة الصواب من الخطاء وحالة الخطيئة من حالة الغُفران .
فكُل ذلك يحدث بشكل دوغمائي خارج عبث العيش وترتيبات الحياة .
فمن يُولد ميت القلب لا يستطيع في أحد الأيام أن يمنح عشيقة بعض الأمل ولو تطلب منه ذلك أقصى الجُهود المُمكنة فـــ فاقد الشيء لا يُعطيه .
لهذا كم نحن مُحتاجين لقوانين نُمارس فيها عشقنا بأكبر قُدرة على الأمل دُون الخداع وكم نحن مُحتاجين لنرسم معالم غد خارج حواجز اليأس والصمت فـــــ للقادم غُموض يكتنف قدر وزمن طويل كي يُصيغ الإنسان معالمه في يوما ما .
عُود ثقاب لا يكفي لإشعال حرائقك , ليثنيك عن مُحاولة إعادة هواجسك الأولى إلى واجهة الأحداث اليومية , ليرميك خارج زمن لا يتسع للانتصار حتى على جذوة الهزيمة .
مُتسع كبير يراه شريف بين أكثر من كماشة زمنية كي يهرب من حالة الإمساك به ولتغيير خارطة حياته الأبدية .
فهو لم يعد بحاجة إلى الالتزام بالمعنى أو بالفكرة بقدر ما يعي توجهاته الناهضة التي تُقابلها وجوه أخرى من السعادة والعطاء وكُل ذلك يمُكن أن يحدث ما دام قادر على مُواصلة مشاريع حُلمة والتي تبدءا في إتمام شهادته الجامعية .
فالتاريخ عاصف لا يحمل سوى المُتفجرات في وجه مُبدعيه كشبكة مُتكاملة لا نعرف أحيانا كيف نُفسر به حتى أبواب الجحيم .
والواقع بين ثنايا هذا التاريخ ليس محرقه نحشيه ببارود لهفتنا بقدر ما يكون حالة حتمية تتحدث عن مآلات الإنسان ورغباته التي لا تتكرر إلا بمشيئة لا نعرف تداعياتها في ليلة عابرة
شريف مازال تائه , مسكُون بهاجس الخوف , مُخدر في نُعاس الليل وحبات الأسبرين
يتعلم العزف على كمان الأيام والثورة يرتقي كُل يوم بلُغة طُقوسها أكبر من فرائحية فهو الوحيد الذي يتجاوز مساحات الحُزن السوداء وينتصر لحالات الفرح فلا يمتلك سوى لُغة تُبدد كل أنواع الضجر مصحوبة بسيجارة زفير قُصوى لأشياء لم يراها إلا في عالم من الخيال
ويعي جيدا أن تقاطعات القدر والطعنات المصحوبة بحالة نزيف كضربات موجعة يتلقاها عن غلفه كنتيجة لطفح كيل ما تصنعه يداه التي ضن يوما ما أنها أدوات للتفاؤل أو حتى للخروج من فراغات الواقع وحتميته المُميتة .
فأنقاض الأحلام دائما ما تتحول إلى رماد وأن حالة الاتساخ على صدر محروق تحتاج لأكثر من لُغة أو فِرزة قدرٌ لفهم حالات المواجهة .
فقبله طارق صديقة ورفيق دربه ترك للمصادفة ما صاغت له في حالة سفر غامضة الملامح بجواز سفر وبطاقة يسترجعها في حالة النكبات التي حلت به فوصل إلى أقاصي الوجع برحلة حملت بصمات برلين .
فالحياة أشكال في الصداقات وفي المآسي وفي الأحزان أيضا فكيف إذا كانت كُل تلك الأشكال من الصداقات اجتمعت مع طارق صديقة الذي فضل التواري خلف الأفق بحثا عن صحة والدته .
يااااه كم نحن نعيش على أكثر من نقيض ..!
نقيض في الحُب ونقيض في الصداقات ونقيض في المرض وبين كُل هذه الأضداد من التناقضات نجد أنفسنا تائهين في مشارب زمنية مُتباعدة تفصل بينها ألاف الكيلو مترات
لا لشيء إلا لنعيش بقدرة أفضل على التفكير بشهقة أكبر على إيجاد مساحة خارجة لتوها من مُستنقعات الدين والُلغة .
ومن يُفكك كُل هذه الأضداد على أعتاب واقع مُميت عليه أن يرى بحبرُه كُل صُنوفات وتعرجات الُلغة وما يُمكن أن تحدثه من ثورة وهزيع تحت كُل الاحتمالات .
أنقضى الشهر الأول من رحلة طارق وحينها لم يسمع أخباره إلا في اتصالين على عجل أكتشف معها مدى حُب صديقة لوالدته وتمنياته لها بالعافية ومدى حرصه الكامل على أن يسأل عن بقية أصدقائه ويسأل عن تفاصيلهم .
شريف يضغط بإحدى أصابعه على جبهته الأمامية التي تُعاني من حالة صُداع وكأنه يرى رأسه يهوي من على رقبته .
جاهدا يُحرك رأسه وهو مُعشعش ومهموم وفي رأسه ألف سؤال وسؤال كُل ذلك وصنعاء في حالة هُطول مع بدايات فبراير وتُغطي ضجيجها برائحة نسائها  المُمتد بين الشوارع كزحمة خانقة لا تعرف كيف تدس رأسك في أي زاوية أو تُحرك أصبعك في أي اتجاه إلا وقد بلغت حالة من التعب كي تصل إلى ذلك المكان  .
فــــ صنعاء مدينة وليست مدينة !
مدينة لأنها تمنحك عشقك وفجيعتك وموتك دُفعة واحدة ولا مجال فيها إلا لدفع ضريبة زمن حتمي كي تعرف حجمك فيها بعد عشرات السنين .
وليست مدينة لأنها أنا وأنت وكُل الناس هي صبغة عصرية لتجاذبات سياسية معدومة الرؤية إلا لتجمع رهط قبلي يقتات على النصوص والتفعليات خارج ترتيب وتفعيلات القصيدة
شريف ليلة الجُمعة في أكثر من طُقوس تستهويه للتحدث أمام نفسه والخُروج في شوارع المدينة الأكثر من ضيقة .
صنعاء لم تمنحه عاشقة وحبيبة بحجم أمل ولم تمنحه قصيدة ولم تمنحه لحظة صفاء
تجده يُعاود المُحاولة في العيش وفق تكيفات جديدة تتماشى مع طبيعة ظُروفه الدراسية ليخلق له أكثر من جو للوصول إلى هدفه السامي في الحُصول على الشهادة الجامعية التي ستنقله إلى بر آمن قادر على أن تمنحه الأمان في يوما ما .
مع ازدياد حالة الضغط النفسي لديه يتواصل معه والده الذي لم يراه من ثلاث سنوات كمهاجر ضمن مئات الآلاف ورُبما ملايين اليمنيين الذي تجاذبتهم ظُروفهم للخُروج من البلد تحت ضغط لُقمة العيش والبحث عن شُروط أفضل لأسرهم الذين يقتاتون بغيابهم ويعيشون تفاصيلهم بنصف قلب والنصف الآخر كجسر مُعلق بين قُراهم المُهشمة وبين امتداد يفصل بينة أفق سياسي واجتماعي لحالة اغتراب لا يعرفون إلى متى تمتد .
فأغلب العائلات اليمنية يعيشون هاجس الغياب بعيدا عن ظروف استقرارهم وبعيدا عن حالة التكوين الطبيعية لكُل البشر .
شريف يتلقى ليلة كُل جمعة اتصال من والدة يُتطمن فيه على أحواله وعلى ظُروفه ومتى قُدومه كي يراه أو على الأقل أن يحتفل بتخرجه من الجامعة بجانب أبوة الذي يُواصل غُربته فوق سن الخمسين .
يا إلهي عندما يتذكر أبوه وسنه الكبير تنتابه غصة في حلقة ويشعر بالعجز لعدم تقديم أي حُلول آنية تعفي والده من المسؤولية بعد أن طعن به سن الشيب .
في لحظة غضب يلعن الظروف التي أوصلت بحال اليمنيين إلى عدم التمييز بين حالة الهجرة الجماعية التي تتم بمباركة حكومية تامة كأول شعب على مُستوى العالم تمنحه حكومته فُرصه للبحث عن أوطان أخرى كبدائل نتيجة للعجز في سد ثغرة الفقر وامتداده على أرصفة وشوارع البلد .
أطفال في عُمر الزهور يُمارسون حياتهم الغير طبيعية في التسول في الشوارع وفي الأرصفة أو في ازدياد حالة الضغط من قبل أسرهم ليعملوا أكثر من طاقتهم وهذا يُعد من باب الانتهاك لحقوق الطفل وعمالتهم في سن غير قانونية .
أي ذاكرة يُمكن أن تمنحك أكثر من قلب لتُقاوم كُل هذه الإرهاصات في شكلية الحياة !
أي قلب يُمكن أن يمنحك القدرة على الابتسامة على أرصفة بشرية مُوزعة في وطن للشتات !
أي حياة يُمكن أن تمنحك عُمر أخر لترى ظُروف البلد وقد تغيرت وعمت السعادة مُختلف مُدن اليمن وقُراها !
أي عُمر أخر مديد يُمكن أن ترى فيه قوافل المُهجرين والمُهاجرين طوعا وكرهن وقد عادوا لبناء يمن يتناسب مع حُلمهم وحُلم أجدادهم !
أي صرخة يُمكن في لحظة غضب أن تعطيك جُرعة مُسكنة خوفا من الإصابة بسكتة قلبية , خوفا من انطفاء قلبك للأبد !
واقع الحال يُمكن قراءته دائما خارج بشاعة ظُروف تحُول بيننا وبين من نحب وبين ما نحلم بين مطرقة واقع يمتد إلى أحشائك لينتزع فيه أي فرحة تحملها ويمنحك رماد كُحلي اللون كي لا تقوم قيامتك مرة أخرى .
تفاصيل كثيرة تمنح الإنسان حالة خوف من كُل شيء يُمكن أن يُقابله في عُمرة القادم خارج فراغات التجرُبة والنجاح , خارج مساحات الضجر والفقر , خارج تفاصيل مدار يومي يوحي بمدى حاجتنا إلى عالم يوتوبي يفهم ما نحلم به وما يُمكن أن نُقدمه للواقع جرا هذا الحُلم .



مضت ستة أشهر على سفر طارق ولم يُخلف ورائه إلا بُضع من فرح صعب ليُخيم القلق على شريف القاطن في أقاصي صنعاء مُنتظرا أي شكل من أشكال العودة لهذا الغائب الذي طال انتظاره .
تتوالى الأحداث تباعا في كُل أرجاء اليمن كمسلسل اضطراب يومي أعتاد اليمني على مُواجهته تحت مُسميات أساسية تبدءا في نُقص حاد في المحروقات وفي المياه وفي إحداث بلبلة في أوساط الناس لتمرير أي مشاريع للعُنف والحُكم تحت أي طائل وأي مُبرر يُمكن أن يحتضن القائمين على هذه المشاريع التي امتدت طوال الحُكم الجمهوري لليمن .
حالة القلق وعدم الاستقرار لدى أغلب الأسر اليمنية وعيشها بنصف قلب خوفا من فُقدان الحياة بأي لحظة وهُم المنتظرين لقادم أسرهم المتغلغل في ذاتهم والذي يمتد أحيانا لعشرات السنين كغُربة فردتٌ ظُروف الحياة .
تلي هذه المُسميات مُسميات أكثر قُبحا وفي نظر المُجتمع تندرج تحت المُعاناة أو مُسميات ثانوية كانعدام حالة التعليم والرعاية الصحية والزواج المُبكر واضطهاد حالة المرأة لتلتقي كُلها بمشارب حُزن كخريطة إنسانية تُدمي لها الذاكرة خارج تسلُط القادم لهذا البلد والذي يرى فيه عُمق حضاري يبدءا في الحضارات الكثيرة والدويلات التي اندثرت وينتهي بسد مأرب الشهير كشعب له جُذور تمتد إلى أعماق الإنسانية في التصنيف لسُلالات البشر .
عكس الصورة الحضارية لا تعني سوى مزيدا من الألم لهذا اليمني الموصوف بأفضل الشهادات الخارجية والمهضوم في الحُصول حتى على كسرة خبز يسد بها رمق جُوعه الذي يُؤذيه ليل ونهار .
تقاسيم كثيرة بحاجة للوقوف عليها كشهادة تؤرشف امتداد الألم على خارطة ضاقت  بأبنائها وحولتهم إلى فحامين في عصر رقمي ألغى كُل امتدادهم وجُذورهم التاريخية وذلك بسبب تخلفهم عن اللحاق في الركب الحضاري والعصري والحديث .
فالانكباب على مُداراة الجُرح على جسد عليل أحيانا لا تُزيد الضحية إلا مزيدا من الجُرع في طريق الموت النهائي .
هذا الموت تتعدد أشكاله وظُروفه وتبايُناته في بلد يجُيد أغلب قاطنيه إما البطالة أو العيش تحت تهديد الجُوع وافتراش الطُرقات كمُحصلة نهائية لفشل أي نظام سياسي في احتوائهم أو أي ثورة بكثرة مُسمياتها لإعادة كرامتهم المهدورة إلى شكل يعُيد التفاؤل بإمكانية إحداث أي بُنية تنتشل ثقافة الكُرة وتحل محلها ثقافة السلام .


مضي السنين بسُرعة وشريف على أعتاب نيل الشهادة الجامعية وطارق لا زال عالق بين برلين وصنعاء بانتظار ترميم قلب ليعود إلى حالة الخفقان الطبيعية .
أمة مازالت ترزح تحت العناية الإلهية فكُل ما يتم إنعاش قلبها بحثا عن أمل قادم بمُداواة جسدها من مرض خبيث كالسرطان كُلما منحتهم الظُروف أوقات مُجدده للانتظار والأمل على اعتبار أن المرض حالة إستنائية غير كُل إستثنائات الظُروف الأخرى .
بشتى الطُرق يُحاول طارق أن يصبر على مضض لإنهاء ظروف والدته الصحية كي يعُود بسرعة لليمن لإكمال شهادته مع بقية زُملائه الذي تخلف عنهم ثلاث وسنوات ونيف في الترتيب المرحلة للجامعة .
تجربة الغُربة بظروف مرضية تجربة صعبة يعيشها طارق في كل اللحظات كـــ كابوس مُريع يريد أن يطوي صفحته على عجل في انتظار ملامح القادم .
زيارته للمُستشفى الذي تقيم فيه والدته كُل يوم تتراوح نصف ساعة كي يرى حالتها الصحية عن قُرب وبشكل مُستمر .
تشكل زيارته للمستشفى كُل يوم عاده يُمارسها كي يقنع ضميره بالطاعة التي يُذلل كُل المصاعب من أجل أن يرضي ضميره أولا ومن أجل براءة الذمة التي منحها نفسه وفاء لأمه التي ربته من دياجير صُغره بعد أن وارى والدة الثرى وهم لازال في الشهُور الأولى في بطن أمة فاطمة .
أن تعيش معدوم وخائر القوى شيء صعب وفوق كُل ذلك أن لا يكون لديك أي قُدرة حتى على إسقاط أي دمعة خوفا أن تترك عائلتك دُون من يعُولها أو حتى من يوفر لهم بعض من متطلبات الحياة .
الأسى في الغالب هو الفيصل الذي يصقل الإنسان ويمنحه القناعة اللازمة في استمرار مشاريع حياته كي ينط فوق عقليه المُجتمع التي لم تمنحه سوى حالة احتقار لعدم استطاعته على مُجاراتهم في ميادين أكثر قُدرة على الحقد والتباري وفق مفهوم الأقوى .
هذه القوة هي التي تبرُز مدى كُرهن الإنسان لأي مشروع ينتزع منه ذاته ويمنحه جُرعات من الذُل والهوان .
لهذا يكتُب الإنسان ويكدح وراء أفكاره كي ترى يوما ما النور حتى وإن لم يقطف هو ثمارها يكفي أن يراها الآخرون في يوما ما كثمرة يانعة يستسيغون بظلها كي تمنحهم مزيدا من الأمل ومزيدا من الكِفاح تحت كُل شُروط الحياة .
إن مُواصلة التفكير بحُرقة , الرسم بريشة قلب مُتعب , التنبؤ أو التوقف طويلا على حافة منفى تخطه بُوجه مُصاب بحالة إعياء كي تختصر بعض من عذاباتك ومواجهاتك اليومية لن ترى سوف لُغة تستدرجك لدرجة القُسوة في التوصيف وأحيانا تكون مصحوبة بحالة بؤس وبكاء أو أنين داخلي كبير .
فالنزال يطول دائما والمواجهة دائما تمتد في عُمق الحياة مع ازدياد حالة التوهان 
إن قوانين الافتراضات عندما تتلاعب بعواطف الإنسان وترميه وجبه مُوت سريعة أو حتى بقطرات أسى تتدحرج من على جبينه وشفتيه ستراه يوما ما وقد أرتفع فوق منسوب التفاهات العابثة التي أختزلها يوما ما من عقلية مُجتمع كي يتغلب على خصمه الذي رآه اليوم كما لم يراه في الغد فأكتشف مدى الظُلم الذي يُمارس ضده بتعبئة مُجتمعية خاطئة دائما ما تقود إلى الهلاك أو الخطيبة الدائمة هذا ما أكتشفه طارق بابتعاده نوعا ما عن أجواء بلده التي تُعج بالمآسي اليومية .
هو يدرك بطبيعة الحال أن تفاصيل الحياة مُزعجة وذكرياتها دائما ما تبعث على الأسى لأنها تقترن دائما بخيارين أحدهما إما الوهم فتصاب بحالة نفسية ترديك مجنون في أقرب شارع أو حارة أو في بخيار الخيال الذي ينقلك من تُجربه مُصغرة في المُمارسة للحُلم إلى واقع آخر يمنحك حقك في حُرية التفكير والمُمارسة الشخصية وأدائك لطريقة حياتك وفق تفكيرك الذي تخيلته يوما ما .
ما بين المُمكن وغير المُمكن هُنالك ما هو حاضر وغير مرئي !
فكُل من ينسج حياة انتصار حولك سوف تدرك أنك لا تعرف كيفيه التنفس لأنه هُنالك من يصنع منك شهوته اليومي كي ينتصر لذاته فيك , يضرب عدوة فيك , وتقتل أنت دائما في مُواجهة عدوة .
معارك الحياة دائما غير عادلة لا في النصر ولا في الهزيمة فمشروع القتل الذي تُمارسه وأنت في حالة الزهو والانتصار لن يمنحك إلا مزيدا من التعطش للقتل وبضراوة كي ينتصر بقطف سعادة انتصارك غيرك وفي حالة الهزيمة فأنك لن تتلقى سوى الطعنات دفاعا عن هويتك أو مشروعك الذي لا تعرف أن هُنالك من يستبق تخميناتك بإيمان الدفاع كي يُصورك وأنت في معركة زائفة أبطالها مُحاربون من ورق , انتهازيون لا يرون سوى مجد الانتصار .
التذمر هو من يُصاحب أي مُبدع أو كاتب من حالة مُعينه كي يجد الزوايا المُناسبة لنقد ما لا يؤمن به أو أن تجده يتهم غيره بقوة الرجعية لأنه لم يعُد يؤمن إلا بقماءة الأوضاع والتذمر نتيجة حالة اليأس التي أصابته من إمكانية إجراء التغيير المُمكن وفق شُروط ومقومات إنسانية تضع النجاح وقوة العقل والتفكير في مُواجهة حالات الفساد والجهل والظُلم لبناء مُجتمع قوي ومُتماسك يُؤمن بالفكر كوسيلة للبناء والتغيير .

فلا تقُل شيء كان بوسعك تحمُله ولا تنطق كثيرا ما دُمت غير قادر على الكلام ولا تبتسم إن شئت ولكن لأجل الإنسانية كُلها والأمل عليك أن تنطق ولو بشفاهك بعض الحُروف .
يُمارس شريف بعض المساحات في كتاباته ويرى طارق هو ذاته فظروف صديقة هي ظُروفه وإنسانيته مازالت تجول في خاطره وانكساراته هي نفسها انكسارات طارق فلا وقت كي يُبرر كُل مُحددات الموت والحياة فقط عليه أن يمضي وان يعطي جِلده ضريبة حتمية للموت أو المرض أو الفراغ .
طال غياب طارق وتوسعت فجوة الحياة أمامه ولم يعُد يعي في ظُلمة الحيرة أين يُمكن أن يجد ذاته في تُرهة الوقت وفي زِحام المرضى أمه فاطمة ما بين الحياة والموت كُل بداية أسبوع يتم حقنها بمُكافحات السرطان كي يتقلص انتشاره على مساحة جسدها المنهك من حالة التعب وإلمام الشيب بها في لحظات خانقة يرى فيها كُل قبح الحياة في عين العذاب هذا .
فتقدم الطب البشري كالتقدم في الفلسفة السياسية للأنظمة الحاكمة كُل يوم ترى لافته كتب على ظهرها لقد تم اكتشاف مصل لمرض كذا وكذا فترى بكثرة هذه اللافتات التقدم الذي وصلت إليه الإنسانية في مجال الطب والحياة وفي لحظة تخونك كُل تلك اللافتات وتعجز في بُرهة أن تمنح والدتك حُقنه أو لافته كُتب عليها لقد تم القضاء على الألم ...!
أي الم هذا الذي تريد أن تتخلص منه في لحظة ...!
السرطان ليس مُجرد ألم عابر أو مُستوطن في جسد مُعين ..!
هُو كائن مُتواجد في الأعماق يمنحك ومضه ألم بسيطة لكنه يظل مُستوطن ذاتك ينخرها كي يقضي على ما تبقى من جلدك وعضمك ويرديك جُثه هامدة .
فمن يمنحك جُرعات من الأمل والطمأنينة تراه في أوقات نكباتك خارج فراغات النُصح كان فقط مُجرد ناصح أو كمن ينسج حكايات الأمل ويُوزع بطاقات الطمأنينة كي يتنفس معك ويُقاسمك ما في ذاتك .
أنت فقط من لا يعرف المُهادنة فسيف الزمن يضرب بسيفه من يشاء ويبقى من يشاء كي نرى الأشياء دائما عارية على حقيقتها لا تقبل التشريح ولا تقبل حالة دفن طبيعية .
فالناجون من حالة غرق وقد تمسكوا بقشة حظ أو لعنه صياد مُعدم لم يجد سمكه المُعتاد على شاطئ الوطن الغريق إلا بدُعاء المصادفة يعون أن الحياة بفُرصها وإيقاعها تعني لهم الكثير لأنها منحتهم فُرصه أخرى للتنفس خارج شاطئ الموت .
فالطقوس الفرائحية التي تؤديها حينما يُطلب منك ذلك لا تعنى حالة إيمان بقدر ما تعني التلبُس برداء قضية مُعينه كي تنجو من إخفاقاتها كما حال الغريق الذي يُناجي ربه في لحظة غرق كي يرى وجه الحياة مره أخرى ومن جديد .
فرُوزنامة الحياة كروزنامة الموت كُلاً لها تاريخ مُحدد ومُعلن دائما ما يجد طريق الأمان أو التغييب النهائي كي يتم سد جبهات الفراغ التي تحتويها كُل لحظة إيقاع تاريخية .
إن الحيرة ليست آخر المصائب ولا يجب أن تكون أول التجارُب (لا أول الدُموع ولا آخر المُصافحات) بقدر ما تعني حالة إرباك لحظية نعيشها دُون ترتيب وُدون حسابات منطقية , أي أن نعيشها وفق إيقاع سريع وزُهد وطوباوية لأننا نعيش لحظات خوف فنعود كي نثبت في لحظة إيمان عابر أننا بشر صالحون .
أن تعيش لحظات الإيمان هذه بشكلها المؤقت خير من أن لا تعيشها , فلا فرق أحيانا بين حالة اللُجوء في المنفى من أن تكون لاجئ في وطنك مسلوب الإرادة والتحكم لا تُجيد سوى حالات الخيبة , مصدوم ومطحون الحُلم وحالة الانتقاء .
يا للخيبة وأنت اللاجئ بين أدمغة الحروف تعيشها بين ظلال وطنك فتظل أشد عذابا وأكثر وحشية من عذابات منفى طبيعي فحالات الشوق أو الانتظار التي تحملها في جنباتك خارج سُطور الفرح التي تتساوى مع وطنيتك فإنها تتحول فجأة إلى دافع للعمل الدءوب والإخلاص كي تعرف أن هُنالك من ينتظرك بينما عذابات المنفى الداخلي لا مُبرر لها ولا منطق يُمكن أن تعيشه بقدر ما يعني له الوطن حالة انتكاسة دائمة تعيشها وتكتوي بنار هزيمتك لتعرف مرة أخرى أن هُنالك أوطان أخرى تُولد من رحم المنافي وقُوة وزفرات المُعاناة .
تغريبه أخرى ترى براويز تطبيع يومية في أشد قتامتها , لأنك مازلت تعيش وفق قانون وقاموس المُفردات البسيطة لزمن تريد أن تعيشه بألوان زاهية إن لم نقل بكُل الألوان , بكل حالات الشجن خارج حسابات الخديعة وخارج سُجون المنافي .
فسُلطة البحث عن حالة استقرار تجعلك تُفتش في أكثر من زاوية ضيقة كي ترى نفسك فيها وترى حالة السعادة بأوجه تشبهك في أوقات شدتك كي تعيش بحالة توازن حقيقية كي لا تفقد أي رئة من رئات التنفس في واقع مليء بالمُفاجآت .
إن لُغز الحياة وسرها دائما لا ينتهي بحادث سير مُفجع أو بحاله حُب على شفى السُقوط ولا بخزانة ذكريات أو حتى بمأزق عاطفي يُختصر بإيقاع غنائي لأم كلثوم .
في كُل مراحل الخلاف ومراحل اللا عودة انطلاقا من تفتيش عالم ميتافيزيقي إلى عالم يعُج بالمُجون لرؤية حظ أوفر من الفضول الذي نختزله بالنظر إلى مُعظم الأشياء بشكل من التعجُب لهذا السر الكبير .
بين سراب الإمكانية , وهم المُعجزة حالة انتشار كخلاص حتمي للتحرر من عداء يتربص بالجسد , هو عداء إنساني يتجاوز مراحل العُنف ليتصادم مع البُعد التاريخي للتكوين الديني والصراع الذي يدور في عُمق الأمكنة .
فمُستقبل الفكر الذي لا يقبل القسمة على جيل لا يقبل القِسمة أيضا على احتمالات البقاء فلا شيء ينتج من رحم الفراغ ولا يُمكن للجريمة أن تمنحنا غير قُفاز مليء بأدلة مسرح الجريمة .
ساعات القهر مُنتصف المُفاجأة , العام الثاني عشر بعد الألفين , أدله للموت تتوشى كعاصفة تضرب كُل مساءات طارق , بكُل الوجوه تتعثر الآمال , يُحاول أن يشحذ أي خيبة كي يرى قناع الحياة بألوان أقل قتامه .
أكواما من الهُموم فوق رأسه وقهر لا يُمكن أن ينسى وصِراع ساذج يقوده من حالة منفى اختياري إلى أزقة تتشابه في بردها بحالات صنعاء وتعز وووو كُل المُدن تنتهي مرحلة العشق والشجن فيها عندما نرى موتنا الطبيعي يرتفع منسوبة في مُقابل تتضاءل فُرص الحياة .
هُنالك حيث لا تنتهي الأغنيات , حيث ينتهي صراع بين الحقيقة والخيال
يا تُرى متى نرى ذلك !
ومتى نُصلى عندما لا تتملكنا حالة الخوف والهلع من الموت !
متى نؤمن بأننا خُلقنا كي نُقدم للبشرية شيء آخر !
متى نرى كُل تلك التناقُضات والمُنغصات وقد تحولت إلى حالة غيم تتدفق بين الأرجاء !
كيف نمضي ؟
وكيف نبقى مُعلقي الآمال ؟
لا نستطيع أن نمحو المسافات التي نتركها ورائنا إلا وقد نسجنا مسافات آخري مُوشاة بالألم والحكايات الخُرافية التي تنتهي كفيلم تراجيدي بطلها أخرق لا يعرف سوى الحماسة والقوة فتكون نهايته أِشبه بالبداية .
مالا يتطابق مع ما نراه فهو نقيض للحُلم
ومالا نرى فيه أحلامنا الزاهية لن نرى فيه يوما ما إلا تابوت تُوضع فيه أشلاء الموتى
وما نراه يوما ما درب يستحق الدفاع عنه والنضال من أجل الوصول إليه يجب أن تتأكد أن وصولك إليه هو وصول لُكل من حلم يوما ما ومات دونه وهذا هو الانتصار بحد ذاته .
فعليك أن ترسم أكثر من خارطة (للعشق والموت والأمل والثورة) كي ترى بكُل نتيجة يوما ما إن وصلت إليها أن هُنالك من سبقك وحاول ومات قبل أن ترى أحلامه النور فآن الأوان كي تحتفل بأفراحك وأن تعتبر أكذوبة العُمر حالة مُمتدة لا تنتهي بمُجرد أن ننطفئ بل تموت فقط بُمجرد أن لا نحلم ولا نُفكر ولا نُطالب بالتجديد في أروقة الحياة حتى وإن كُنا نعيش في تابوت موتى أو على حافة السُقوط كي نرى في النضال هوية وفي الهوية حياة وفي الحياة تتحقق كُل نضالات البشر وأحلامهم المُؤجلة .
إن مُعادلات الحياة كمُعادلات المرض والموت , كحالة استهواء تعترينا , كحالة عشق نُمارسها على عجل فلا نجد في نتيجتها إلا نقيض للسعادة والحُب والأمل .
طارق يتلقى من حين إلى آخر تطمينات من الدكتور المشرف على حالة أمه بأن عليه الصبر والانتظار والتسلُح بالأمل لمُواجهة الحالة المرضية لوالدته فاطمة طارق ينظر إليه بتفاني وفخر كبير عندما تأتي كُل حالات الإيمان بالقضاء والقدر من رجل غربي ليمنحه فُسحة من الأمل والتفاؤل الكبير .
مضت أربع سنوات على غُربته التي لم يجد لها نهاية وفي ذات مساء مُفعم بالبرودة والرياح القوية أتته أخبار صاعقة من سكرتارية المستشفى أن والدته في حالة غيبوبة تامة فاعترته موجة بُكاء وعويل وهو في طريقة من السكن المُقيم فيه إلى المستشفى ليُوصل ويطلب أذا لمقابلة الدكتور المشرف عليها فيراه في حالة توتر عنيف .
يُبادره طارق بالسؤال عن ما جرى !
الدكتور ينظر إليه وفي رأسه شيء من الأسى
يربت على كتف طارق بشيء من الحنان والمسؤولية
يا ابني والدتك لم تُعد الجُرعات التي تتلقيها قادرة على حماية خلاياها من حُمى السرطان
فتراها لا تُقاوم أي جُرع أخرى فلا تستغرب أن تُصاب بحالات غيبوبة من وقت إلى أخر
طارق يتفهم الحالة المرضية وطبيعة الظرف الذي يمُر بوالدته فكُل ذلك لا يمنعه من مُمارسة هوايته في إنزال الدُموع والبُكاء على حافة الألم .
يُسبح ويذكر الله ويتخشع في عِبادته خوفا من صدمة سوف تعيقه عن مُواصلة مشروع حياته القادمة .
أمه في حالة غيبوبة وهُو مازال مُثقل بكُل الهُموم ولا يعرف كيف يتصرف في ظرف مرض كهذا في بلد غريب لا صديق له ولا رفيق سوى إدارة المستشفى والدكتور المشرف على حالة أمه المرضية .
تتقدم الأيام بسُرعة وتركض للأمام كي تمنحه أزمات على طول خط المرض هذا فلم يرى فلا يستطع أن يتنفس أو حتى يتحمل طبيعة الظُروف التي يُقاسيها .
بالرغم من أن المُنظمة التي قدمت له المنحة علاجية وسكن وبعض المصاريف إلى أنه في حالة تضيق به كُل يوم وهو يرى حالة أمه في تراجع مُستمر .
سلٌم أمره لله وهو يرى الأقدار تأخذ طريقها وسط كُل الأحزان فهو لا يمتلك أكثر من الدعاء لها بالشفاء وانتظار ما يُمكن أن تُقدمه له العناية الإلهية والله لن يضيع جُهد سعى من الإنسان يوما ما في صلاحه .
يرى الإنسان وضعة من زاوية وضيقة كانعكاس لطبيعة ظُروف مُعينة فلا تشي كُل تلك الظُروف إلا بـــ مفرمة يطرحها الواقع بكُل قوة خارج التفرد ودلالات التفكير .
ننتمي أو لا ننتمي بتمايُز التفكير المُتجاوز لطبيعة العقل لرؤية السُلوك المُتسق أو المُتفكك للارتقاء خارج الرواسب المطمورة بالتوحد لرؤية أكثر دقة وقُدرة على فهم طبيعة التغيير من حولنا .
فلا تستطع أن تُفكك لعنة مُلصقة بثقافة مُعينة أو أن تزيحها بزاوية أقل قدرة على التأثير والتأثر بطيعة الواقع المقرؤ إلا بثورة اقتلاع جّذور وتمتمات لهذه الثقافة كي نعرف مواطن الضُعف والقوة والاختراق في كُل  اكتشاف توغل فيه .
فالرؤية عندما تأخذ أكثر من مُتسع خارج اتساق العقل والذاكرة تعي دائما أن التيار السائد في مُعالجة إيقاعات اللغة أو في تفادي مواطئ الحنين لابُد من مُداراة كُل هذه الحالات بثقافة أكثر ووعي أكثر لتقدير كُل عُقد الواقع وقراءتها بشكليتها الحقيقية لتصبح أسهل في فاعليتها والبحث عن أقرب رؤية لحلها .
إن خلق ثقافة جديدة مُقترنة بتيارات مُعينة لا يُمكن في يوما ما إلا أن تكون هذه الثقافة بكُل بجاحتها طوعا وكرهن مرهونة بخدمة هذه التيارات سواء كانت دينية أو علمانية أو مُتمركزة بجبهة وثقافة مُعينة تُغذيها عوامل العُنف والقوة والصراع السياسي السائد .
هذا الصراع المُضمن بعُقد فكريه ناتجة عن التغذية العكسية كي ترى الواقع والعالم بصبغة أقل ورؤية قاصرة وسوف تُفرز ثقافة مُعينة لا يُمكنها أن تتصالح مع الآخرين بقدر ما تكون حالة نقيض دائم مُستمدة من حالة صراع حاصل مُرددة كُل شعارات العُنف أو المنهج المصطدم مع أي حالات للسلام والتصالح الفكري والإنساني السائد .
إن ضرورة التحرر من واقع اللغة ومنحدراتها بفكر أصلح على البقاء وأقدر على احترام الإنسان ومنحة حقه العادل في الحُرية والعدالة والمُساواة والانطلاق الفكري دون وضع القيود التي تُسمم اتجاهاته وتعيده إلى مُستنفع مُجتمعي متُصارع متفتت لا يمتلك أي مشروع فكري قادر على البقاء والصمود في وجه العواصف والظروف التي تجرف ما أمامها هي الوسيلة الأقدر على البناء والمُحافظة على اتجاهات الفرد ومنحة الفُرصة كي يعي طبيعة المُجتمع بحقيقته ويُقيمه وفق منظورة الفكري لا وفق غيبياته وثقافته القاصرة .
أن تكتشف ذاتك وأن تمنحها القُدرة على التحليق والتناقض والسُقوط والنهوض من جديد بصلابة وقوة إيمان حقيقية نابعة من التجارب وتعدد الفُرص فسوف تعي يوما ما أنك كنت إنسان عظيم لا يرضخ لدوامة الاضطهاد , غير مُمتهن الفكر والسلوك وبأن ما كُنت تحلم به يوما ما كان حُلم نبيل وأن نظرتك الثاقبة للأشياء أثبتت أنك قادر على فهم ذاتك ومن حولك من زوايا أوسع وبلُغات مُتعددة لا تقبل القسمة على أي ظرف مُعين أو موت سافر أو نهاية حتمية .
ويجب أن تعي وتتأكد أن النظر للأشياء من زاوية ضيقة ومُتسع ضيق لا يقبل بالآخر أو بثقافته وفكرة ووضعه المُركب لن تقودك كُل ذلك إلا لحالات التيه أحيانا والعُنف والكراهية ونبذ فُرص العيش الجيدة والسلام المُمكن وتأكد بأنك لن تقبل حتى بالتصالح مع ذاتك .
بمقدورك أن تفرج ساقاك وتبدءا رحلة البحث عن سعادتك , بإمكانك أن تستبدل عقلية تائه أخرق خارج لتوه من مستنقع قبلي إلى حياة أكثر أتساعا , بمقدورك أن تبدءا أكثر من مشروع آني لتشغل عقلك بيافطات تتصالح مع الحُلم وتهرُب من أي إمكانية للفشل أو الفراغ .
أشياء كثيرة تجعل شريف يُزاوج بين الإمكانية وبين الخيال , بين الأشياء المُطلقة والأشياء التي تقف بين حاجز الخوف والنجاح .
يرى نفسه وقد أعتلى سُلم أخر من سلالم الحياة وهو على أعتاب إنهاء شهادته الجامعية التي دافع عنها بجبينه وعرقه وُحلم أسرته التي أوصلته إلى قمة المُمكن في حياة تقبل كثير من المُعجزات .
شريف على تواصل دائم مع والده أحمد فهو كُل يوم يمنحه أمل جديد بمشارب جديدة فتراه يُراهن على شهادته في سباق زمني مع زُملائه الذين فضل بعضهم الهجرة والبعض الآخر فضل نسج تاريخه بين ثنايا القرية وحكايات الفلاحين .
فعندما يُراهن الإنسان على حُدوث معُجزة ما لتبرير العُجز في الامتداد داخل المسافات نفسها فلن يرى في خيالة إلا انتصارات عاليه ترفل على عقلية واقع مُغفل لتسد المساحات بين تقاطُعات القدر وبين حتميات التفاؤل التي يُجيدها .
إن حتميات البقاء كحتميات الفناء تستشعرك بهمة دائمة لإنجاز ما يُمكن إنجازه هُروبا من طوق يلتهمك كُل يوم بيافطات أكثر على التلاشي فتجد نفسك تُصارع لترتقي بشكل أفضل ونظريات جديدة تمنحك عُمر آخر بمُصادفات كي تُوصلك إلى بر من الآمان .
  






شريف في تنسيق دائم مع والده أحمد وأخوته الثلاثة ليُقاسموه فرحة تخرجه من كُلية الهندسة هذا العام .
فكل يوم يرى المُستقبل بوجه آخر وذلك تبريرا لكفاحه وما آمن به يوما ما في الانتصار للذات كأقل تقدير .
فكل انتصار نصنعه نابع من النظرة الثاقبة التي نحدثها في عُمق الأشياء , وكُل فشل نتحمل نتائجه  نابع من إيماننا العميق بحتمية السُقوط .
فالمُستقبل ليس احتكارا للماضي والماضي ليس سوى طريق إلى المُستقبل فالكل جُزء من خارطة نتكامل معها بحثا عن إشراقه تُبرر سعينا الدءوب لبنا غد يتناسب مع أحلامنا .
فتصورات الحياة تجعل الإنسان بشكل مُستمر ذات بُعد صدامي يسعى لخلق فُرص أفضل في العيش ليوسع من مُدركاته للأشياء ويراها وفق منظوره الخاص .
فالفوضى عندما تتخذ من ذهنية القائد شكليه للحُكم فذلك يشبه إلى حد كبير لص يبحث عن قانون ليُوسع من مهنته ومُدركاته في السرقة والنشل .
تمُر الأيام بشكل خاطف ويعلن القدر نهاية لحياة فاطمة والدة طارق لينهي بذلك طارق فصل من فُصول الُوحدة , الأمل , وتُغلق أشياء أزهرت في قُلوب البعض وتنتهي بلا رجعة .
هكذا صُيغت نهاية غير مُتوقعة لحياة ما لبثت أن استعصت على الطب وتحولت إلى حالة ضياع بين المُداواة وبين الموت .
إن بُطلان أي حالة عاطفية لا تُقابلها إلا حالة بُطلان أخرى أكثر قُدرة على التأثير على الفرد كي تخلق منه حالة نُبل أخرى .
يُغادر طارق المُستشفى الواقع في الضاحية الغربية لبرلين ويرمي بآماله على حائط أسمنتي يدلف خارجا من البوابة الرئيسية للمستشفى بعد أن أنهى كُل معامُلات المُغادرة منه قبل أن يصطدم في بوابة المستشفى بـــ برميل يشبه إلى حد كبير برميل الشُريجة الذي وقف ذات يوم عائقا بين أحلام اليمنيين .
قضى اليوم الأول بحالة توتر وقلق دائم قبل أن ينصحه بعض العاملين في سفارة اليمن هُناك بأن مسالة دفنها في بلد المهجر سوف تكون الخسائر أقل من حالة العودة بجُثة ميت إلى أرض الوطن .
فكر طارق بعُمق ماذا عساه أن يفعل حيال هذا الموقف ؟
بعد تفكير ليس بالقليل قرر دفنها في أحد ضواحي برلين كي يبدءا عودة السفر إلى بلده اليمن بلا أم ورُبما بلا وطن الذي ما قرنه يوما ما بالحنان الذي تلقاه من والدته وكانت خير أمين على تربيته في ظل وفاة والده وهو لازال في غياهب الوُجود .
يخُيم الحزن على رفاق دربه فشريف الذي كان يوزع فُتات الخُبز على الفُقراء في حي الجامعة والذي ظن انه مُساهم بجزء كبير في خلق طبقة بوليتارية جديدة تنهار الدُموع على خده دون توقف فيشعر بحالة البشاعة التي يُعاني منها الإنسان عندما يرى رفيق له في حالة موت حقيقي .
أن نكتب عن الموت معنى هذا أننا نحتاج إلى مُصطلحات وكلمات كثيرة كي نمنحه حياة جديدة بعكس الموت الذي يكتُبنا فإنه لا يحتاج سوى لحالة مرضية طارئة كي ينجح في غرس مخالبه النهائية في أجسادنا بعد أن يتأكد أنه كتبنا بلُغة لا تنتسى إلا الأبد وهي الغياب .
الكُل في حالة عزاء بالرغم من اقتراب حفل تخرج دُفعة شريف ومُحمد لكنهم فضلوا التوحد مع الموت من أجل طارق نيابة عن الحياة .
ما أجمل أن نُقاوم صمتنا ودموعنا خوفا من الانفجار
وما أجمل أن نمنح أحلى لحظاتنا فُسحة لنرى من حولنا
وما أجمل أن نرى في وجه الحياة صورة الموت الحقيقية
ما أجمل أن نرى أنفسنا لتونا قبل أن يراها الآخرون بصور وتشبيهات لا تنتمي إلى ذاكرتنا وتاريخنا الطويل .
فهُنالك أشياء نستطيع أن نقولها دون أن ندفع ثمن لكلامنا وهُنالك ما لا يُمكن قولة في أي زمن مُمكن كي لا نفقد أي القُدرة على الكلام .
إن مُجمل الحياة في موازاة دائمة مع حركات التغيرات التي نصنعها وأن صناعات عناوين ويافطات تشبهنا فيها تحتاج دائما إلى مفاهيم ومُصطلحات فكرية تقود حياتنا إلى محطات أكثر قُدرة على الظهور بحالة توازن مُمكنة في شتى المجالات .
وهذه التوازنات دائما ما تعتمد على إظهار الخطاب الأخلاقي والإنساني بدلا من الخطابات التي تُكرس من مفهوم العُنف والتي تقود إلى حالة صدام لا تنتهي في ظرف زمني صغير بقدر ما تأخذ مدى كبير في حياتنا كي نبدءا في تفكيك أضدادها تمهيدا لحلها ووضع الرؤية الكاملة لاختلالاتها .






إن انكسارات العائد من الحرب رُبما لا تُقابلها أي انكسارات أخرى فمنطق اللحظة المُتاح يوحي  بحالة صراع ذاتي وذهني تتجاذب فيه كُل الأوجه التي سبق وأن حملت ذاكرة حرب وتفاصيل تعثرت فيها كي تسطو على مُستقبلهم وتلهمهم ديمومة خُوف دائمة .
كــــــــــ كائن لا يعرف من الموت سوى لحظات الصراخ تستدرجه كُل التفاصيل , تعتريه أسئلة الفراغ , لُغات التعثر , يستحضر في ذاكرته - كرجُل يحمل أكثر من قلب -  مُواجهات الموت , خفقان وهدير المعركة , يستبسل وكأنه يرى في أُم عينية (الدون الهادئ)  يُواجه جُيوش الحُلفاء على ضفاف السين ويمنحهم ضحكته المُجلجلة التي تزيل عنه أي إمكانية للخُوف في مُواجهة الموت .
ما زال يتقلد سيفه الخشبي تيمنا بــــــــــــ (دونكيخوته) ليُواجه جُزر البحر الأبيض المُتوسط بسيفه الذي نال على قُبح وجُبن الإنسان .
حماسته تُقابلها عملية تجميع لـ لُغات الحرب , يشتهي كُل لحظة كلمات تنقذه من لحظات المُوت المُحتمة , لا يرى شيء , لا يتحرك , ترتعش رجوُلته , ترتعد فرائصه , يُحاول أن يمنح نفسه استراحة كي يستجمع بعض من قوته وشجاعته في المُواجهة القادمة .
فمن يعتقد أن الأدب لا يتطابق مع لُغة الحرب فإنه لا يفقه شيء فالحرب كما كان يقول محمد صديق شريف هي من تخلق لُغات بحجم التجلي والشجاعة كي تمنح قارئها نُبل وزهد دائم .
يشتهيك دائما أن تكتبه بوريدك الحار , بعرقك , بــــــ بارودك القابل للانفجار , بحُلمك الذي لا يصدى ولا يموت .
أشتهيك أن تمنحني بوحك الدائم , سموك البهي , عطرك الذي لا يتخثر , صوتك الذي لا يموت
أردت أن أمنحك شضايا حرب لا تعرف الانتصار , معابر لا تخترق الأجساد , فلا فرق بينك وبين الموت
كم أشتهيك اليوم أن تأخذني كلماتي في رسم ملامحك , كم أشتهي أن أحولك إلى نهر من الحبر المُتدفق على خلايا الذاكرة ؟
لم أكن يوما ما إلا سطورك التي هي سُطور وطن يحتضر ويمنح القادم لحظاته المُمتعة , ولم أكن في تاريخك إلا نجمة ذهبية تتحدي ضوء النهار وتسطع مُعلنة بداية للقاء جديد .
أتمنى أن أكتبك , أتمنى أن أكتبك
وأتمنى أن تأخذني دوخة كلماتك كي ترميني في حضرة غيابك
هكذا أختتم شريف رسالته وطواها على عجل كي يُوصلها مع معركة طويلة لا تنتهي بلحظات فُجائية لامرأة وصفها يوما ما بأنها من ورق وأن لحظات الحنين لا تجلب معها سواء المُواجهات الأقل إيقاعا على القلب والذاكرة .
بالرغم من أن إيقاعات الحياة هي الأكثر قُدرة على المواجهة نفسها
فمن أشبعنا يوما ما موتا بترانيم فرائحية لا يُمكنه أن يشبعنا سعادة بموازاة الموت فلقد رأينا وتجرعنا كُل الهزائم على امتداد خط طويل تعرجاته لا تشيء إلا بالتعب فكيف إذا كان هذا الموت هو طريق الحياة ؟
كيف لنا أن نُجابة ثقافة جيل من الأرتال , مُصابة بأمراض (وهمية عصر الثورة) ؟
كيف لنا أن نبدءا في تشييد جُسور أكثر اتساعا , أرصفة أكثر قُدرة على مسح الدُموع ؟
فشريف يرى بأن التجارب الخاطئة هي من ولدت حالة من البؤس والفراغ (فراغ في القلب , وفراغ في السُلطة ومركزها وحتى فراغ في وُحدة الوجدان والأرض والخطيئة) .
هُنالك جباة كثيرة تشيء بأن غدنا لا يتوازى إلا مع الموت والحرب والهزيمة فنحن جيل ثار لأننا نريد أن نعيش بشُروط أفضل , لأننا نريد أن نرى غد فيه أحفادنا مُتعلمين , لأننا نريد أن نُجهز ونخنُق ثقافة بُندقية وسلاح ولدتها ظُروف سُلطة بائدة بكل بيادتها واتساخها وملاحمها التي سيذكرها التاريخ بأنها قتلت طفلة في المُعلا وشيخ في أبين وامرأة في صعده , لأنها حررتنا بديمقراطية ناقصة ومنحتنا نياشين الفرقة والشتات وبدلت كُل ذلك بنياشين أكثر حُرقة ومماتا .
فُتوحات اجتاحت هذا اليمني وسلبت كُل مُكوناته باسم الدين والقبيلة , باسم الخطيئة والرجولة , بكُل الأسماء منحتهم موتهم الحتمي بصرخات أكثر جنائزية كي يتم تشييعهم في ليل لا يعرف إلا الخطيئة .
كُل ذلك يحدث في جلسة نقاش بين شريف وطارق ومحمد وبعض زُملائهم الذين بدءوا في استرجاع ذاكرة ثورة وفق تكيفات اللحظة الزمنية هُروبا من حالة موت تجتاح طارق في كُل لحظة .
يحتدم النقاش أكثر ويتحسس كُل واحد منهم بطاقة انتمائه الحزبي وعِرقه وصوت قبيلته التي دائما ما يتم الاستنجاد بها للهروب من مأزق الأجوبة الصعبة .
هذا هو حال اليمني خليط بين سياسة جهل وتجهيل يعيشها وبين مُحاولته الدخول في مناخ ديمقراطي وفق تكيفاته وشروطه التي تتناقض مع أدنى الحُقوق والحُريات .
انتهت جلسه نقاش حادة حضرت فيها كُل الأوجه وكُل المشاكل وكُل المنعطفات دون أي تحفظ من أي طرف .

للموت بقية ,,, وللحياة فُسحة أخرى لــ نقول فيها ما نُريد ...

جلال غانم

jalal_helali@hotmail.com
 
 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انا لم اكبر ورفاقي الصغار بعد ...!!!

26سبتمبر ... الثورة التي تعثرت فينا