الهويات الوطنية وطُرق النجاة
التربُع
على عرش أكثر اتساخا لن يمنحك في يوما ما إلا صورة مُضاهية لماضيك , وهذا الماضي
يأبى أن يتحول إلى شيء صالح أو قداسة قابلة للقراءات الإيجابية في الحاضر
والمستقبل إلا بالصورة التي تشبه هذا الاتساخ .
فدلالات
التفكير التي تنبع من انتشال شكلية الواقع الحقيقي وتحوله إلى حالة صلبة لن تجد
لها من اتساع أو مُناصرة إلا من العقليات المُصابة بهذا الاتساخ كتركيبة كيميائية
تتفاعل مع بعضها كي تنتج حالات مرضية وإعاقات مُجتمعية تتمدد على ظهر أي قضية
وطنية وتتكئ ببارودها على مداخلها كي تحولها إلى جُزء من النسيج الغير قابل للفهم
والاستيعاب وتعيش بـــ بيئة أكثر تسرطُنا وعدوى تنتقل بسرعة بين الوسط المُجتمعي
كي تحوله إلى رماد يتفاعل في نار أقل اتقادا وتنبعث منه في يوما كُل المشاكل
الوطنية العويصة التي يصعب حلها أو حتى السيطرة عليها .
فمن
الواضح أن الرياح التي لا تجلب معها نسائم الخير لن تأتي إلا مُحملة بالغُبار
والأتربة وأن من يتطلع إلى بناء وطن يوتوبي تتشابه فيه كُل العقول النيرة وتتصالح
معها أفكار اليمين باليسار والدين بالقبيلة والعلمانية بمصالح الشعوب وهو في تطلعه
هذا يعيش وقدماه غارقة في وحل من القُبح لن يجرؤ حتى على رفع قدميه من حالة
الاتساخ التي يعيشها أو حتى يشعر أنه بتطلعه هذا ما هو إلا حالة قتل مُتعمد لأي
مشروع يحلم به الناس كي تسود بينهم المحبة والإخاء ويبتعدون عن أي مشاريع تقودهم
للغواية ومُمارسة الرذيلة تحت أي ذريعة مهما كانت .
فهُنالك
من الأشخاص من لدية مشاريع لا تنجح إلا بإيذاء الآخرين وتحويلهم إلى أداه طوعية
وهُنالك أشخاص آخرون من هم دون أي مشاريع لكنهم يعيشون حياتهم بشكلها التقليدي
وبطبيعة أقل ما يُمكن تسميتها بـــ براءة إنسانية لان هاجس الخوف والحرام من
التطلع عن أشياء ليست لهم ما هي إلا مطية ونزوى لن تجلب لهم في يوما ما إلا الشقاء
والقلق وتبعدهم عن طاعة الخالق .
إن
التربية والسُلوك الإنساني في أي مُجتمع كان هي الأداة الطوعية التي تصبغ الشعوب
وتبني تطلعاتهم على كُل الصُعد بشكلها الايجابي والسلبي فكيف إذا كان هذا السُلوك
قائم في كُل الأوقات على قراءة الشعُوب وقراءة هذا الآخر المجهول الذي نهابة أو
نمنحه نزرات الحقد والخوف .
الهوية
دائما ما تُبنى على أسس من التعليم والثقافة والاتساع في شكلية الاطلاع على حضارة
وثقافة الشعوب وتصالحهم وامتداد حضارتهم كي تتربى أجيال في زمن ما قادرة على
استيعاب كُل أزماتها المُستعصية وتُحول كُل الأشخاص السيئين إلى أدوات بناء وحُلول
حتى ولو كانت افتراضية بدلا من تربية مُجتمعات وأجيال لا تعي بعضها إلا بالعنف
واستخدام الهويات الدينية والشعارات المُستفزة لبناء مشاريعها الخاصة بدلا من
مشاريع الأوطان والشعوب الفكرية والإنسانية القادرة على انتشال كُل أسباب الفقر
والأزمات التي تتشظى وتتحول في يوما ما إلى شقيقة مُزمنة في وجه وظروف هذه
البُلدان .
فالعدالة
والحق والمساواة هي أنسب السُبل للعيش الكريم وكُل هذه الأدوات الإنسانية لن تتأتى
إلا بسلوك طوعي لا يتصالح مع العنف ولا يتخذ من الإرهاب وقوة الفكر المغلوط طريق
للنجاة .
جلال
غانم
Jalal_helali@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق