ليس في رصيف الأزهار من يُجيب


الكاتب الجزائري مالك حداد الثائر والروائي والمفكر السياسي الشهير الذي كتب بحبره المتفاني صرخة الثورة الجزائرية (1954-1962م) بأعماله المُتعددة (الشقاء في خطر , الانطباع الأخير , سأهبك غزالة , ليس في رصيف الأزهار من يجيب ) الذي أدرك باكرا قيمة الكِلمة في مواجهة المُستعمر الذي حول البلد (الجزائر) إلى إقطاعية عسكرية وسياسية في خدمة جنرالات باريس .
مُربعات الألم عندما تتحول إلى صرخة والانكسارات عندها تتحول إلى لهيب دائم حينها يدرك السياسي والمُثقف الجزائري مالك حداد ابن قسنطينة ورفيق درب الثورة والنضال الخطر المُحدق بالجزائر وخطورة فرنستها ثقافيا وسياسيا ومزجها بهوية المُستعمر الذي مزق البلد لأكثر من قرن من الزمن .
أدرك باكرا مالك حداد هذا الخطر في كتاباته التي تحولت إلى صرخة دائمة وانتكاسة في وجه المُستعمر خاصة روايته الشهيرة (ليس في رصيف الأزهار من يُجيب) ببطلها خالد بن طوبال أبن هذه الأمة ورجلها الرائع والثائر الذي تضطرم مشاعره للأحداث الدامية والمذابح التي خلفها المُستعمر الفرنسي فيبدءا باكرا في حسه الوطني والذي يلتحق بالفلسفة لإيمانه العميق بمدى أهمية التعليم في إحداث توازن لحالة الثقافة الوطنية الغائبة والتعليم المُحارب من قبل المستعمر فتعرف حينها في على الطالب الأوروبي (سيمون تاج ) الذي درس معه الفلسفة الغربية وأنفتح على الحُرية وفهمها وأستنشقها ليصب أحرفها في ربيع الجزائر وشتائه القاسي الذي تعرض لمذابح المُستعمر وتغيير هويته الوطنية .
هذا الوعي المُتفجر لدى مالك حداد نتيجة عدم الاستجابة الممكنة من الرصيف الباريسي لثورة الشعب الجزائري  أدت إلى امتلاكه الوعي المُبكر كنتيجة حتمية للحصول على البطاقة الوطنية الجزائرية التي تُدين الفرنسي وتتصالح مع الذات الجزائرية الغائبة وتعلن حالة الوفاء لأرض الآباء والأجداد الذين سقطت أرواحهم الغالية لإزكاء الروح الطاهرة للجزائر الأم في سبيل الحُرية وإعلان الاستقلال واليوم المجيد .
هذا الكفاح الذي قادة مالك حداد مع رفاق دربة مولود فرعون وكاتب ياسين ونخبة من الكُتاب الجزائريين كانت حالة خلاص لتبدءا بعدها طُيور اللقلاق بتنظيم رحيلها عن سماء الجزائر المُتعطشة للحُرية .
من رفيق الدرب (سيمون تاج ) وزوجته( مونيك ) كجسر بين فرنسا والجزائر وخالد الذين كانوا بمثابة شهادة للتجول وسط الآتون الذي كان آنذاك مفروض على الجزائري كقيمة حتمية لحالة الاضطهاد الذي يتعرض له الجزائري في شتى ميادين الحياة .
فبشاعة الصورة الجزائرية لم تغريهم بجماليات باريس وثقافتها الإنسانية الرائعة والذين فهموا أنفسهم قبل أن يفهموا باريس وفرنسا فهموا الموت والدمار الذي يلحق بالجزائر كُل يوم على امتداد الوطني المدمي والمُصاب بحالة إعياء دائمة .
هذه الصور التي ارتسمت في ذاكرتهم والذين لم يعرفوا حينها ابتسامتهم في المنفى الباريسي بل تحول إلى حُزن دائم ومأساة جديدة تُضاف إلى مآسيهم التي حملوها على جوانحهم وجوانح وطنهم السليب الجزائر .
أبدع مالك حداد في رائعته (ليس في رصيف الأزهار من يُجيب ) رسم صورة الجزائر ببُعدها القومي وثورتها الإنسانية , صورة المنفى , الحنين , الصِور الأولى التي تتراءى له عن شتاءات الوطن وخريفه , تضادات الحياة , حالة الفوضى والجنون التي يعيشها الإنسان ويتغلب عليها .
مالك حداد رسم الخارطة الجزائرية بِكُل أوجاعها البكر الأولى والذي لم يتردد على مزجها بحالة الحياة العامة والصاخبة لإحياء وإثراء القيمة الأدبية لعملة الجليل وليُدلل على تنوع القيمة العملية للأدب المُختلط بثقافة الغير (الثقافة الإنسانية الكاملة) .

جلال غانم

Jalal_helali@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

26سبتمبر ... الثورة التي تعثرت فينا

انا لم اكبر ورفاقي الصغار بعد ...!!!

ذاكرة لــ الحُزن والوجع لم يشأء لها القدر أن تنتهي ...!!!