التحول من الصراع الطبقي إلى المواطنة المتساوية


تزايدت في الآونة الأخيرة موجة الصراعات الإقليمية في المنطقة العربية وشهدت حالة سخونة غير طبيعية خاصة بعد أن خابت بعض الآمال من النتائج المرجوة من ثورات الربيع العربي في التغيير وكان يعول عليه كثير من المحليين السياسيين في القضاء على الرواسب والاحتقانات الموجودة في أوساط المجتمعات منها السياسية والدينية والاقتصادية وإقامة جسور وأواصر مشتركة من العلاقات وتغذية عامل الاختلاف كمصدر قوة والتسابق في إحداث التغيير  بشكل أسرع نحو بناء نظم ديمقراطية مدنية تخضع لقرارات الشعوب وتساعد الإنسان في ركب الأمم في التطور والتقدم واللحاق بالشعوب الغربية في مجالات العلوم والتكنولوجيا وكانت الرهانات قائمة على العقل العربي في إحداث هذا التغيير .
غير أن كل هذا لم يحصل فخابت بعض الآمال وتحُول مفهوم الصراع من صراع على السلطة (صراع نخبوي) إلى صراع دوني بين الأقليات الدينية والعرقية والقوميات وبين المصالح الاقتصادية المتعارضة كمحصلة طبيعية وكحالة من التفتيت لما تبقى من ثقافة هذه الشعوب وساعدتها في ذلك المخابرات الغربية والأعلام الغربي الذي قاد أعلام ثورات الربيع العربي من مربعات التصحيح والإًصلاح إلى مرحلة التفتيت كضرب للقوى المدنية التي تنظر للتغيير وتحويل هذا الصراع إلى صراع ديماغوجي غير واضح المعالم والذي بة ازدادت حالات الفقر والتطرف بشكل خطير وبرهن للغرب نظرياتهم التي يروجون لها حول العنف في الإسلام والدين وحققوا انتصارات لم يكونوا يحلموا بها على أرض الواقع فانعدمت حالات الاستقرار السياسي في المنطقة وتلخبطت الأوراق وازدادت التحالفات الغير مجدية وتراجعت حالات التنمية في المنطقة إلى عقود من الزمن وتحولت رؤوس الأموال العربية إلى  الدول الغربية بسبب عدم انعدام حالة من الاستقرار السياسي  .
فتكررت النسخ الأولى للصراع الديني التي كانت حاصلة أيام العصر الإسلامي الأول من موقعة الجمل إلى حروب الردة إلى محاولة أسلمه الشعوب وصبغها بالصورة المهزوزة والهزلية لبعض القوى النافذة في ذلك العصر .
وصل هذا الصراع في وقتنا الحاضر إلى درجة خطيرة  توحي بانهيار المنظومة الحضارية لهذه الشعوب
تحت مبررات عرقية ووثنية سخيفة لدرجة أصبح الفصل بين المعتقد الديني والسياسي أشبة بالمستحيل .
فالتجربة في نقل الصراع بين الأقليات الدينية وتصديرها المشهد السياسي في وسائل الأعلام والقنوات المرئية والمسموعة كحالة من التيه والمسخ وعدم التمييز بين المصلحة والمنفعة والضرر الممكن تحمله فكلها عوامل توحي بخطورة المرحلة دون أن نستفد من حالات الصراع الذي كان حاصل في الحضارات الأخرى وكيف تجاوزوها وبنوا مجتمعات قادرة على التعايش مع بعضها دون النظر إلى العرق والدين كمصدر مستفز للعيش
فلنأخذ مثلا التجربة من الدول الأوروبية التي خرجت من عصر القياصرة وسلطة الكنيسة وأسست سوق أوروبية مشتركة واقتصاد نوعي يخضع لعامل العرض والطلب في هذه الأسواق وتركوا الجانب الديني وغذوا الاختلاف بين الأقليات والطوائف المسيحية كـ الأرثوذكس والكاثوليك بشكل إيجابي والانتقال من حبال المشنقة في عصور الظلام من حضارتهم  إلى نقد الدين وتصحيح مساره الإنساني والحضاري بما يعزز من قدرات البلدان على العيش بفرص أفضل دون إلغاء للآخر ففصلوا بين الخطاب الديني المرتجل وبين الخطاب القانوني وسلطة الدولة كمرحلة مهمة في النقلة النوعية لهذه الحضارة .
نحن للأسف نضع العوائق والعراقيل التي تغذي وتوسع الشرخ بين مجتمعاتنا وتلغي مفهوم التغيير وإمكانية حدوثه فقط وفق رؤية الطبقة الغالبة على الطبقة المغلوبة وهذا قمة الخطاء في التفكير بهذا المنطق .
يجب أن نعرف جيدا أن الإسلام اليوم لا يخضع لميزان الربح والخسارة والفريق الفائز على الفريق المهزوم والجنة ليست مفصلة اليوم على مقاس جماعة أو طائفة بعينها كما يعتقد البعض .
فنحن اليوم لسنا محتاجين إلى عداوات جديدة مع بعضنا أو مع الغير فقط محتاجين إلى بناء مستقبل للإنسان العربي والإٍسلامي دون عصبيات بل بعقليات تنقذه من الفقر المدقع وتعيد له تفكيره الغائب وتؤسس لمراحل جديدة لأجيال جديدة تعرف كيف تعيش في محيط آمن دون عداوات وحقد وكراهية .
فالدين منزل من رب العالمين ليس لفئة ضد فئة بل كفكر شامل وجامع دون تحويره وتحويل مساره من فكر للأمم والشعوب إلى معتقد ضيق يخضع لمقاييس الحلال والحرام .
فضرورة التحول اليوم من مرحلة هذا الصراع المميت إلى مرحلة المواطنة المتساوية أصبحت في غاية الأهمية دون الحاجة إلى التسلح بالترسانات النووية وراجمات الصواريخ أو بالأفكار المسمومة والمسعورة والتي تؤدي إلى التناحر والتقاتل كتفسير خاطئ لمنهج الإٍسلام  فقط محتاجين إلى برامج حيوية تقيء الإنسان من مرحلة الانهيار وتنتج منة أدوات نافعة في خدمة المجتمع دون أي شعارات زائفة .

جلال غانم

Jalal_helali@hotmail.com




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ذاكرة لــ الحُزن والوجع لم يشأء لها القدر أن تنتهي ...!!!

انا لم اكبر ورفاقي الصغار بعد ...!!!

ماذا بعد ..........؟