رائعون يرحلون بـــ فداحاتنا وخيباتنا المتكررة ....

ليست الأماكن التي نحٌِن إليها , نكتب باسمها في حقيقة الأمر سوى أمكنة لعاثري الحظ , زوايا تتدفق منها ولائم السحر العِرقي والإثني , ليست سوى مُكابدات وغصات يُواجهها الإنسان بــ ستائر مُصطنعه وبــ أكثر من حُجج للعيش والتعامل مع عرافي الثورات , وبائعي الأقدار الجاهزة ....
مرت الذكرى الخامسة لــ رحيله مُرور عابر , بل أضيف لها جنازة أخرى لـــ الشاعر والأديب السُوري سليمان العيسى , مرت الأرض من هُنا , مرت الأوطان وما يُشبهها من هُنا وبقينا نجمع أشلاء كُهوف ومقابر كرتونية جاهزة ......
النعي هي الوسيلة الجاهزة لـــ تبرير أخطائنا لـــ التصالح مع الحاضر تعاطفا مع الماضي , إيغالا في جُرح المُستقبل  ...
كُل هؤلاء يرحلون سريعا , فــ الناس الطيبون هكذا كـــ الظل يموتون قبل أن تنكشف اشتعالاتهم , قبل أن ينهوا مُهمة أوطان لم تُعد بعد جاهزة للعيش السوي  ....
لسنا أكثر من أمه حاقدة على تاريخها , لسنا أكثر من ميليشيات وجيوش موتوره تُمجد الكُره وتعيشه كـــ بدايات لــ الفشل المحتوم .....
لم نستطع أن نصمد أمام قوة الأحداث التي تنتشلنا تارة باسم الحُزن وتارة أخرى باسم الغيرة والوطن والوحدة والدين , وتارة أخرى باسم الإنسانية والتعاطف مع من يسقطون سريعا ......
إن اللحظات التي نشعر فيها بـــ عدم قُدرتنا على مُواجهتها في أحيان كثيرة لا نستطع أن نكتب عنها لا نستطع أن نقترب نم تاريخها المُشتعل .....
أكثر من أربع مُناسبات للموت , أكثر من ديوان للنضال الوطني ولم أستطع أن أكتب سطرا واحدا عن مآلات الموت التي يحدثها هؤلاء الرائعون .....
درويش ليس أكثر من ظل ينام في جُفونه قضية إنسانيه بــ أبعاد وملامح لن ينساها التاريخ الحديث والمُعاصر ....
لم أستطع أكتب بـــ اتكائة الهادئ الرصين , لم أستطع أن أحصي المسافات التي نشعر فيها بــ الفداحات , لقد فُتحت أبواب كثيرة لـــ نقل أكثر من يقظة وسنام يتمدد فوق ظُهورنا المنحنية ....
إن عامل الزمن الذي يُقابل بـــ التماهي بـــ الخضوع التام هو حالة استكانة نحدثها بـــ مزيد من الضجيج اليومي كي نكتشف أحيانا أننا لسنا أكثر من كائنات تكتب عن المآتم والعزاءات الجاهزة ....
وهذا المُسلسل الجاهز لم يعُد يتوقف عن المحيط المُلتهب الذي نعيشه ونندمج فيه حُبا وكُرها بل أن يتعدي لـــ مسيرة رفاق كتبناهم وحلمنا يوما ما أن نتتلمذ على ذائقتهم ليس بالأمر السهل والهين ....
فُرصة جديدة للموت يأخذ منا كثير من النُبلاء , كثير من الرائعين وهذه المرة قبل كتابة هذا المقال بـــ دقائق نباء وفاة صديقي الشاب الشاذلي حامد أسعد في مدينة جُدة السُعودية ...
لم أستطع المُقاومة أكثر , أجهشت بـــ البُكاء كـــ الجريح الخائب .................
ماذا نصنع أكثر من مُجرد بُضعة حُروف نتعايش معها , ونعيش أمان لحظي يقطر دما , ولا نستطع في مُناسبات قادمة أن نقرا ما نكتب سوى بـــ مزيد من التقيؤ من الحالة النفسية التي عشناها مواساة لحدث ما .
الرحيل سُنة إلهية , لكن البقاء هو فداحة بشرية نضطلع بـــ مسؤوليتنا تُجاهها كي نحصد مزيدا من الخيبات مع تقدم العُمر , وبـــ مزيد من النزق والنباهة كي نثبت أننا الأجدر في مُمارسات عنف الحياة المُتعددة ....
يمضي كُل شيء في طريق واحد هو الموت , الفناء , الرحيل , التغييب النهائي ويبقى ما هُنالك يمكن أن نكتبه في زمن ما عن محطات هؤلاء الرائعون الجديرة بالثناء .... !!!!

جلال غانم

Jalal_helali@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

26سبتمبر ... الثورة التي تعثرت فينا

شوارع وغربة ، امنيات وسفر

عدن المدينة التي تفتح ذراعيها للعابرين