عن هاجسنا المُعتاد ودورة الزمن القادمة


إننا بحاجة إلى الخيال لمواجهة تلك الفضاعات التي تفرضها علينا الأشياء هذا ما يقوله خورخي بورخس الكاتب الأرجنتيني الرائع .
فــ حاجتنا لواقع افتراضي نعيشه , وخيال مفتوح لــ تتعايش معه أحلامنا هُروبا من واقع ميت , من ووقائع سيئة لا تتطابق مع كُل ما نريده ونحلم به وذلك للعيش خارج المُطاردات اليومية , خارج انكساراتنا الموجعة .
ليس عيبا أن ندرك أن وصفة الحياة تتطلب النط فوق حبال المُخاطرة , وليس عيبا أن ندرك وصفة الحياة نفسها تختلط بأخطائنا المُقدسة وغير المُقدسة وتتحول لُغة الغفران إلى لُغة مُبتذلة بحثا عن آمان أفضل يتم توزيعه في عرض الشوارع بحثا عن جنة تتلون في خيالنا كي نشعر بــــ دفئها في أوقات الذُل والخيبة والموت الفُجائي .
ليس عيبا......... !!!
أن نولد فُقراء , أن نُولد أحرار , أن نُولد بـــ كُم ناقص أو يد مبتورة من الذراع ...
الشيء الأصعب الذي نواجهه عندما ندرك أن الأوغاد الذين قراناهم وكتبناهم نعشهم كـــ هاجس يومي في حياتنا المتوقفة عن التقدم للأمام .
ما أصعب أن نؤمن بمقولة درويش (أننا سوف نصير يوما ما نُريد) ......
سوف نصير في الغد شجرة صفصاف تتمايل مع أول نسمة هواء باردة , سوف نصير قصيدة وعصفور ميت , سوف نتعثر ونمضي وسوف نتراجع ونلعن التاريخ مرات عدة .
كثيرة هي الأسئلة العالقة في الذاكرة , وكثيرة هي الأحداث العالقة بين مرمى التاريخ , وحالة سرد تأخذنا في أقل وقت مُمكن إلى كُتاب ومُثقفين مُتلونين يعيشون على هامش الظل في سردهم , يعيشون إيقاع سياسي يومي كي يتراشقون الكلام على يافطات الصُحف اليومية المُلونة .
أكره كُل هؤلاء ......
أكره الكتابات الخارجة لتوها من فُرن وطني , ودُقم حزبي وديني , واكره المُجاملات التي تُحولك في أقل مُمكن إلى بابلو بياكسو في استجداء ريشته التي لا تقف عند ذقنه الكثيف .
تفاصيل مُجزئة , ومساء مُختصر بأعقاب السجائر المُتناثرة في أرجاء المكان , وأنت عليك أن تبحث وسط كُل هذا الخواء عن حُروفك لتعيد ترتيبها من جديد كي تُقدم كُل يوم شيء آخر , شيء قادر على الفهم والاستساغة ...
فقط عليك أن تمضي دون الهزات الخطرة , أن تتمتع بشخصك البائس وأن تُحول طُهرك الملائكي إلى شيء  آخر ليعيد ترتيب مساءك هذا خارج ضجرك المُعتاد .
وعليك أن تتجاوز منطق ستالين في القوة وفي الخُضوع وأن ترفع راسك المُثقل بالهموم كي ترى ما يدور حولك , وأن تغمض عينيك وأن لا ترى نفسك مُنحاز لأي وطن لا يعرف قيمتك وتواجدك خارج سُطورك المتعبة .
ولدت أنت قبل أو بعد أو في حاضر الطلقة , أو في مماتك المُستعار
ولدت كـــ لُغز في العذب , وُلدت لكي ترى تعاسة الإنسانية كُلها في بلدك , ولدت لتكون مُهاجراُ يعتريه ذرا الاحتمالات وهاجس العودة المفقودة .
عليك وسط كُل هذه الحرائق أن تنتصر , وأن تمنح القادم فتيل ضوء , وأن تعيش اختلاطاتك كي ترى في الغد القريب واقعك وقد تبدل ألف مرة , فــ لربما كان هذا التبديل بمزاج اللحظة نفسها أو كـــ نتيجة حتمية لحالة الاقتتال والازدراء التي يعيشها الآخرون .
فـــ لن ترى في الحاضر هذا إلا هاجسك المُعتاد بـــ دورة زمن القادمة .

جلال غانم

Jalal_helali@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

26سبتمبر ... الثورة التي تعثرت فينا

شوارع وغربة ، امنيات وسفر

عدن المدينة التي تفتح ذراعيها للعابرين