المزاحن ........الجُغرافيا المنسية


أشعر بشيء من الشجن إلى تلك الأماكن التي اختصرت تموضعنا ذات يوم , أشعر بالرغبة الجارفة لكتابة كُل المكاسب الاستثنائية لـــ يوتوبيا عالمنا الصغير المُتواضع إلا في الزُهد وفي القراءة والمُتابعة الشرهة لــــ كتابات الرائعين .
لن أستطع أن أصف جُغرافيا المكان المُختصر بــــ المزاحن أكثر من ما وصفه الرائع محمود ياسين عن رجاح تلك القرية النائية التي تبحث عن هويتها وسط جُغرافيا إب المُترامية والتي كتبها بأنامله واحتراقه بـــ إفراغ ما تبقى من ذاكرته وشهيته من الحُروف الساحرة .
أنا لم أنقلب يوما ما عن تلك عن الأحداث التي خرجنا من رحمها , عن المُضايقات وسيل الاتهامات التي كُنا نُلاقيها ونحن في طور بناء جيل ناضج قادر على تحمل طبيعة مرحلة خصبة من الأحداث .
ما جعلني اليوم أنسج بـــ ذاكرتي كل هذه الأحداث والوقائع وأُدون ما تبقى للمكان من وحشة وشغف هو طبيعة المُتغيرات التي حدثت على مُستوى الوطن الواحد وعلى مُستوى طبيعة البُعد الاجتماعي المُتعدد للبلد .
في الأمس وأنت الفتى اليافع تُوزع حُروفك بين دُروب الحواري وبين الطُرقات المُتعرجة الرافضة لـــ كرم الشيخ وبشاعة الوضع الاجتماعي الآسن والذي ينقصه الكثير لــ يتساوى فيض الناس في الوعي وفيما يكتبونه عن الحُقوق والحُريات لـــ الخُروج عن أزمة صارخة تبدءا بــ فتيل لمبة مُحترقة وصولا إلى حُلم البحث عن مُولد كهربائي لــ تتدافع معه الأهالي بــ المئات احتفالا  بـــ كرم الجُمهورية تعزيزا للبُعد والولاء الوطني الخادع .
تلك الأيام كانت تُوقِعنا في صراع دائم لإظهار أصواتنا الرافضة لحالة الخُضوع التام والمُمكن لهذا الخواء والخُذلان الذي كُنا نُلاقيه من الآخرين .
ما جعلني أتذكر كُل ذلك هو دورة الزمن الجديدة بـــ دماء شباب جُدد والباحثين عن الضُوء والغير واعيين أن ظُلمة البلد أكبر من ظُلمة شيخ وقبيلة ومُديرية خارجة عن جُغرافيا نطاق هذا البلد الضائع في دوامة العُنف اليومية .
البحث عن تيار كــهربائي عمومي ومطالب بإعادة النظر في مُتغيرات المصالح القائمة هي أبرز مطالب هؤلاء  الشباب والذين يُكررون مأساة جيل سبقه في أكل التونة وإيصال صوت الناس إلى كُل الجهات العُليا ....
يضحكني هذا المُسمى الجميل (الجهات العُليا) التي انخدعنا بها كـــ مُصطلحات خارجة عن فضفاض مفهوم الدولة الحقيقية والمُنقلبة على أعقاب الناس .
الزمن يدور دورته وعلى عجل نحن مازلنا في مُواربة وانتظار الأشياء الجميلة التي لم تتوفر حتى في قلب العاصمة صنعاء ....
أنا لست من جيل المُحبطين , ولست من أولئك المُنظرين الذي وصلت فصاحتهم لـــ  تعديل مزاج لحظة مُعينة في قول ما نستطيع قوله دون خوف ودون خجل ودُون مُواربة .
ضحايا جيلنا الجديد تتجدد , والثورة هي من تجعل كُلا منا يُعدل مزاجه الفوضوي بحثا عن استثمار جيد فيما يقول .....
الكُل يُحاول كسر الطوق المفروض عليه , والكُل في مواجهة مُستمرة مع حاكمي هذه البلاد بـــ تعدد أرتالهم وألوانهم الزاهية في الزُهد وفي العدل وفي الدين وكل هؤلاء الخائبون بكل تأكيد غير قادرون على منحنا سوى تعاسات جديدة في كُل زمن جديد ......
وتظل الجُغرافيا المُختلطة في أعماقنا هي شجننا المنسي , وهي من نُحٌن لها دفاعا عن أحلامنا التي شاخت ولم تعُد قادرة على العطاء .

جلال غانم

Jalal_helali@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

26سبتمبر ... الثورة التي تعثرت فينا

شوارع وغربة ، امنيات وسفر

عدن المدينة التي تفتح ذراعيها للعابرين