كُنا نحسُب الفراغ نبيذا .....
نخبِي
لهذا العذاب والألم الذي نتجرعه , نخبِي لمعبودات شُموعنا المُلتهبة , كُنا نحسب
الفراغ نبيذا
كُنا
نرى في الشمس نوارس تُحلق بأحلامنا عاليا , ولم نكُن نعرف أن صُخورنا منخوره إلا
من مياه مُلوثه وراكدة ولم نكُن يوما ما نرى في هذا الفراغ ما كان يراه الشاعر
الرائع أنسي الحاج :
((كان
صوتك هضبة تُغطيها المياه
وكانت
مراكبنا سوادا
أراضينا
بورا
شُموعنا
صُخورا
كُنا
نُخطيء بالصغيرة والكبيرة
لنحسب
الفراغ نبيذا ))
سوف
أحسبك اليوم بين تعدُد كُل الأسماء حالة طُهر , وطن خالي من تراجيديا الخوف , وسوف
أرى فيك قدر لا فكاك فيه إلا مع الموت .
صحيح أن
ليالينا مُوجعة , موحشة ....
ومن
يقدر على البُكاء لن يقدر بكُل تأكيد على تحمل ضريبة عذاب وضريبة زمن كـــ سيرة
حياة مليئة بكُل الأشواك .
تعرف
جيدا أن شلال النُزول والطلوع هو أنت ,
أنت
الزفرات , وأنت في القلب لؤلؤة تُقاوم ظلام الأيام لــــ تظهر بريقا لا ينطفئ في
الحُلكة والظلام .
كتبتك
يوما ما بيروتا ,
.............. دمشقا ,
..............
صنعاء ,
..............
ونخلاء
كتبتك
كتحدي مع الوقت , كتحدي مع الظروف
كتبتك
يوما ما ثورة
............. دم !
............. عرق !
............. عذاب !
............. هوية !
وكتبتني
أنت ذات يوم شلال من الكلمات ....
كتبتني
بـــ جُغرافيا مدينة صنعاء , ولم تؤمن يوما ما بما قاله الكاتب الجزائري الرائع
واسيني الأعرج :
(( شيء
ما في المُدن العربية يجعلها حزينة دائما حتى وهي في أقصى حالات الفرح ))
اليوم
أكتب كُل ما تبقى من حالة الخفقان وأطرافي باردة , ونواجذي تعُج بزحام الكلمات
المُتناقضة
أكتب
الوطن دون جُغرافيا , وأكتب في الإنسان دون حالة الغضب ودون حالات البكُاء .
أكتب لك
اليوم ما تيسر من رعشة الغياب , ما تيسر من رعشة الخوف , فقبلك كُنت أرى في الموت
عدو لا يُصد ولا يُرد , وأنا أرى فيه اليوم المُنقذ من التيه قياسا بـــ عقرب
الزمن الميت .
قرأتك
يوما ما في مُذكرات شيخ المستشرقين الروس (إيفناتي كراتشكوفسكي) وأردت أن أستوعبك إلى جانب كتابات تورجنيف وتولوستوي لكني فُشلت حتى أن اختزلت في ذاكرة
حية قادرة على استرجاعك في أقصى لحظات العذاب والألم
إن
الفراغ في أوطاننا لا يوٌُلد سوى الموت , وأن الحُب لا ينبُع من بركة آسنة , أو من
منهج شيخ مُتسخ غير قادر على حشو تلاميذه إلا بالأفكار المُخيفة التي تُوهم
تلاميذه أن هذا العالم عبارة عن قُنبلة موقوتة عُنقودها تنفجر أن لم نكن نحن من
يتحكم بـــ القابض من أمانها .
يظل
الفراغ هو عدو الإنسان , وتظل أفكارنا تتساقط في بئر عميقة , لا تقوى على الانتصار
والصُعود لان البطولات لا تولد من رحم حياة قذرة .
والسعادة
بلا شك شيء مُناقض لحالة الفراغ والخواء هذا ....
جلال
غانم
Jalal_helali@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق