الثائر الذي نسى جُـــــــرح الحمام
إليك أيها الحاضر في غيابك
صباحات
مُلونة بالأمل , صوت فيروز يصدح فوق المنازل , أمراه تتزين بابتسامة العاشق ,
مُرور عذب وخُبز بلدي مُعتق , تصاعُد لدُخان الكلمات .
ارتواء
وشبق يتجاوز كُل الأماكن الضيقة في الذاكرة , يتجاوز لحظات الحنين , ويتساوي مع
أحرف الدمع , مع ميزان الحُب والحرب والكلمات .
ما نراه
أكثر من قُدرتنا على القراءة , أكثر من قُدرتنا على الكتابة للتعبير عن حالة
احتجاج كبيرة ضد كل ما هو غير كوني , ضد كل حالات العُنف , التشظي , الاحتراق .
أنت
العاشق , الكاتب , الحالم في حضرة الوطن القاصر ,و أنت الحُب والقصيدة والأمل ,
وأنت من ترتوي بنار عشقك كل أوجاع وصرخات المظلومين .
أنت
الخارطة التي تتحدد معالمها وفقاً لبوصلة رحيلك , وأنت الثائر الذي نسى جُرح
الحمام , وأنت المساحات البيضاء والتي تطول ولا تنتهي ولا تموت .
إن الكتابة
اليوم عنك تتجاوز دُموع الحُرقة , تتجاوز ظُلم جلاد , وتتجاوز وطن ضيق حلمنا به
معاً لتستعجل أنت رحيلك قبل أن تنبُت حبة القمح في جدايل وأسوار ألفتك , ولأنك
فضلت الصمت وودعت قُبح حياة بتكاليف أقل من تكاليف موت أُمه , موت وطن يحتضر بعد
أكثر من عامين على الثورة .
ماذا
أُخبرك الآن ...؟
فـــ
مُدونتك الرائعة (.................) والمُبشرة بربيع جديد تجاوز عدد قُراءها
الــــ 50000 قارئ وحُلمك بانقشاع غطاء الظُلم على حُرية أوسع تتسع لكل الحالمين
قد باتت واضحة اليوم .
لكني يا
سيدي نسيت أن أُخبرك أن ثورتك التي حلمت بها باتت اليوم أكثر موتا , أكثر سُباتا
من ذي قبل , فعندما كتبت أنت ذات يوم أن الوطن بات يأكل أبنائه ليل ونهار , كتبت
عن بيت الحاكم الكاكي وبزته العسكرية , عن ميزان السلم والحرب , عن المُثقف
والكاتب الذي لا يرزح تحت تحالفات الدين والقبيلة , تتكرر اليوم في زمن ثوري قبيح
.
صحيح
أنك كُنت بوابة حُلم لربيع يمني وعربي يتجاوز دندل الدين , قوى الرجعية ,
والمارقون على كُل أذيال الثورات لكنك فتحت بوابة هذا الربيع في زمن آخر هو زمن
غيابك الكُلي عن هذه الحياة , فضلت الرحيل واقفا كــــ (فرانز كافكا) , وناضلت من أجل كلمه لا , فما
أجمل هذه النافية عندما تشعر أنك مُحارب حتى في لُقمة عيشك وحُلمك بوظيفة مدنية كي
تنتصر لعذابات عُقود من الزمن , من السهر والدراسة والحُمى والمُعاناة .
أكتبك
اليوم أيها الراحل بقطرات الثائر والثوري , بقطرات الكاتب الذي لا يكل ولا يمل ,
أكتبك وطن لجيل قادم سوف يعرف أن هُنالك من مر على تُراب هذه الأرض اللعينة , أن
هُنالك من حارب الكلمة وأغتالها قبل أن تُشعشع على بيئة مُجتمع آخر .
كُنت
ولا زلت السُنبلة التي تنبت حبات القمح , الخيار الأوحد أمام الخُبز , كُنت أنات
وحبات الندى , كُنت فيروز وشُكري , كُنت الرواية والكتاب .
وكان لك
الوطن شتاء ضحل تتكسر أذرعه أمامك ولم يستطع أن يمنحك حتى لحظة رثاء حقيقية .
فقد
استوعبت بعدك أنه لا تبتسم لأنك في اليمن , لا تمت لأن هُنالك أُسرة تنتظر كفاحك
وعطائك , لا تقل لظلك أرحل لأنك ستدفع ثمن غالي ولن تجد حتى في زمن ما من يُقدم لك
حبة دواء , من يمنح أسرتك كُراسة نور وتعليم .
فـــ
بعدك يا سيدي لم أعد أؤمن بدولة الأوغاد , دولة الخفافيش , لم أعد أؤمن سوى
بتراتيلك وإيقاعك الذي يفتح لي كُل يوم بوابة ونافذة من الحُلم الذي لا يموت .
لك أيها
الصامت كُل الحب , كُل العزاء
لك أيها
الغائب وطن عشته مُراً ومُته ألف مرارة
فما زلت
أفتقدك , وما زلت أبحث عنك في كُل الأماكن وفي كُل الأزقة التي نبتنا فيها معاً
فــ ثق
تماما أن من مر فوق جُروحنا ذات يوم , لن يقوى على الصُمود أكثر
ثق أننا
الحالمون في دولة المزاد , دولة الظُلم والموت الأحمر ...!
ثق يا
رفيق أن الحُلم لا يموت بمُجرد رحيل صاحبه بل يبقى يتردد في كُل الأزمنة كي يقوى
على الانتصار .
جلال
غانم
Jalal_helali@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق