ما بعد حوار وثورة الفُرصة الأخيرة ..!
لم أجد
أفضل تعبير من تراكم منسوب الأمل المعسول , من فيض الحوار الذي انقلبت فيه موميات
الماضي إلى أشبه بـــــ خُطباء في محراب يوناني تتفاوض فيه قساوسة الشرق والغرب
لرسم ملامح تحالفات واستراتيجيات جديدة لحُكم هذه المُستعمرات , لم أجد في كُل هذا
الهراء أفضل من تعبير البروفيسور حبيب عبدالرب سروري حوار اللعنة (لعنة 6 أشهر) .
فــــ التعويل على بناء دولة مدنية بمُؤتمر حوار أعرج
(ناقص) غير مُكتمل الرؤى تقوده نفس الوجوه التي حكمت البلد لـــ أكثر من نصف قرن
وأغلب هؤلاء لا يجيدون القراءة والكتابة , لا يجيدون كيفية تحليل سوق البورصة , لا
يجيدون شكلية الحُكم الفردي من الجماعي , الفيدرالي من الرئاسي , وكأننا نرى بذلك
نهاية هذا الخط كما بدايته , خط ونفق سير يقودنا إلى نفس حالة الصُداع والشقيقة
المُزمنة , وكأننا نعرف النتائج والرؤى مُسبقاُ , وكأننا أمام حُلم مُزعج يتحول في
ليل مُثخن بالعواء إلى كابوس مُزعج لا نستطع أن نُقاوم درجة تعاسته إلا بحالة
فزعان قوية لا تنتهي .
البلد
عبارة عن جنازة تُحمٌل على عقبي بُندق وفتوى جاهزة يتم الإعداد لها مُسبقا كي تؤدي
دورها الآني كما أدت دورها قبل عُقود من الزمن كي نرى بكُل ذلك خطابات مفتوحة على
وطن مدني تتساوى فيه كُل القوى أمام قانون وهمي يُعد له كما تم الإعداد لفك أزاميل
الثورة , كما تم استنساخ كُل الأحلام وإلصاقها باسم الوحدة , الشرعية الثورية
والدستورية التي عرفناها أنها لا تؤدي دورها الحاد إلا من بيت الأسد نفسه .
الفُرص
التاريخية التي نصنعها ونعد لها سلفاُ دائما ما تُفاجئنا ببُرودها وعدم قُدرتها
على مُقاومة كُل أشكال القُبح , كُل أشكال الفوضى وحالة الفساد المُستشري , فُرص
حُكم الناس وتساويهم أمام العدالة , فُرص تاريخية أن تتحول الثورة إلى مُنعطف مُهم
في حياة الناس كي يستطيعوا أن يعوا أن ميزان الماضي لا يشبه ميزان الحاضر وأن
المُستقبل لا يتم خلطة بنفس الروائح التي كان لها دور في سلسلة ضياعات مُتكررة
لهذا البلد التعيس .
كُل ما نحلم
به أن تتحول ألسنه الناس وعُقولهم نحو بناء وطن فضفاض (واسع) غير مُفصل على مقاس
على فكر مُعين أو اتجاه حزبي و سياسي واحد , كُل ما نحلم به أن تُؤدي حوارات
العُقلاء - (ويا ليتهم لم يكونوا متحاورين إلا على رد كُل ما نهبوه) - إلى فرز
حقيقي لمشاكل البلد خارج تمترسات تابوت الدين والقبيلة والعسكر , وأن تكون خيارات
الحُلول فوق مصالح المُتحاورين كي ننهي فصل مُقلق من حُضوضنا المُتعثرة .
كُل ما
نراه فق طاقة الحُلم نفسه , كُل ما نشعر به مُجرد غنيمة جديدة تبدءا بـــ 200$
لشراء ذمم المتحاورين كما قالت ذلك الكاتبة الجنوبية هُدى العطاس وتنتهي بشرعية
حوارية وطنية كشرعية ثورة عرجاء تودي بهم مرة أخرى إلى سُلم الحُكم .
نفق
مُخيف يبدو وكأننا نرى فيه مُنعطفات غير قابلة قابله للدوران إلا بالمرور بنفس
الشُقوق ونفس الجُدران التي حاولنا يوما ما النط عليها والقفز عليها مُتجاوزين كُل
ظروف التحالفات دون أن نعي أن مسألة العودة لنفس المُربع ونفس النقطة مُكلفة
وباهظة أيضا .
أخاف
دائما أن يتحول هذا الحوار إلى مشروع بوق خائس يؤدي نفس ما أداه ( المجلس الوطني
لقوى الثورة ) والذي تناثر عقده دُون ربيع لزهر أوراقه , دون تفتح لعقلية صانعيه
إلا على تركيبة ومنظومة سيئة أدت غرض مُعين تمثل بالسيطرة على مُخرجات الثورة
بوجوه مُهترئة علم الجنوبيين بنواياها باكراُ فما كان من هذا المجلس إلا أن أعلن
موته في تاريخ ميلاده الأول .
نعرف
جيدا أن حُضوضنا تعيسة في الثورات , حُضوضنا السياسية , الحقوقية , الاقتصادية
والتركيبة الاجتماعية كُلها سيئة ومُعقده ولا يعني ذلك أن نستسلم وأن نغسل حاضرنا
بطُهر هذه القوى نفسها كما يظُن البعض بل بتنصيف كُل ذلك بفرادة سياسية ومنظومة
عادلة قادرة على حمل حُلم الناس إلى أقصى درجة مُمكنة .
هل من
المُمكن أن نرى صوت جديد وآخر لهذا المؤتمر يُنادي بتحرير البلد من اللُصوص سياسيا
وحزبيا ويعيد كُل الأموال المنهوبة التي سرقوها تمهيداُ لتهدئة حالة الشارع الغاضب
..؟
هل من
المُمكن أن يتشكل وطن آخر ما بعد ثورة (الفُرصة الأخيرة) دون الخُضوع لنفس القوى
التقليدية التي حكمت البلد لعُقود من الزمن ...؟
وهل
البحث عن نظام سياسي وشكل آخر قادر على تهدئة الجنوبيين أنفسهم ولو لبعض الشيء كي
نأخذ نفس عميق وجيد ونثبت لهم أننا من المُمكن أن نتحول في نظرهم من مُجرد دحابشة
وغُزاة إلى وطنيين غير مُزايدين باسم الله والدين ولا باسم القبيلة والعسكر كي
نبني وطن شراكته هي قوة القانون ودولة المؤسسات ولا خيار آخر سوى الحُكم المدني
كشراكة لكُل الحالمين ..!
جلال
غانم
Jalal_helali@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق