ذاكـــــــــرة الغياب
لا أجد
مفاتيح لكُل أنواع الضجر الذي يُحاصرني في كُل لحظة , فقد فكرت بمُجرد غياب الكاتب
الرائع محمود ياسين عن صفحات الفيسبوك بشكل مؤقت واعتزاله صُداع أصدقاء السياسة
المهووسين بتزيين تاريخ أحزابهم وتنميق مداخل الحُلول وافتعال تاريخ يوتوبي للقادم
بمُجرد خطاب إعلامي كاذب لأي من سياسييهم يُمكن أن يُوصلنا إلى مرحلة جيدة في
تاريخ العُقد الحزبية التي ضاقت بالناس ذرعاً وأوصلتهم إلى أسوا تعاساتهم فأجد في
كُل هذا القلق فُرصة لأعرف أن هُنالك من الناس من تحلم بأوطان خاوية من بيوت
العناكب , من كُل شُروخات الناس التي توسعت نتيجة غياب المفهوم الناقد والواعي لكل
ما يدور حولنا في الحياة فهمت أن محمود ياسين هذا الساخط على كُل أنواع العبث
والضجر ينتصر في كُل لحظة لجُنونه , لعالمة الفذ , فكرت حينها مُمكن أن يتلقى هذا
الكاتب الرائع رسالة من إدارة مارك زوكربورج عتاب على اعتزاله هذا الواقع
الافتراضي كي يُعاود تغريداته من جديد
خارج نطاقات الموت المفتعلة .
لم تمضي
فترة قصيرة إلا وأجد نفسي في خندق غياب آخر , في ذاكرة أخرى , هذا الغياب عندما
تكتشف أنك عبارة عن مُفاعل فيسبوكي يتحرك في كُل لحظة وفق حسه المرهف بحثا أشياء
ننقصها في واقعنا فنُحاول أن نُعوضها في هذا العالم الافتراضي .
أغلقت
حسابي فجأة في ظرف نفسي صعب لأجد نفسي في مواجهة مُباشرة مع كُل قبح الناس
وضحكاتهم التي ترتفع وفق إيقاع السعادة , وفق بورصات البحث عن لُقمة عيش تحت ظروف
أشد قسوة من عالمك الذي تحلم به أن يكون .
فمن
الصعب أن تتصالح مع الناس وفق مقياس ريختر يمني , وفق مُجابرة تقودك أحيانا أن
تمدح شخصية شيخ , أو أن تُغازل نشال سياسي جديد , أو لتتحدث عن القضية الجنوبية
ومدى هُروب استحقاقات السياسية في الشمال إلى واقع أشد أزمة من حل مشكلة استعصت
على كُل اللصوص في حلها .
أن نعيش
لحظات الصفاء في حياتنا نحتاج لمن يحُرك كل مصادر الُلغات القديمة , كُل حنين
الماضي , كُل حُروف الأصدقاء المُوزعة بين مُدن المنفى وأوطان الغياب والفجيعة ,
فما بين كُل ذلك وجدت نفسي في مُواجهة مُباشرة مع (ذاكرة الغياب) كي أطل على لُصوص
السياسة وأخبارهم من جديد ومن وراء كُل الأصدقاء القُدامى .
عرفت
جيدا أن تأمل عذرى في وجه شاب وسيم تُحسب كحالة حُب ناري لا يتوقف بابتسامه أو
بلون ورد جُوري , عرفت جيدا أن إخفاقات القلب لا يُمكن إيقافها في لحظة نزوة
مُعينة , في لحظة جُنون مُفتعل , وعرفت أيضا أن ضجر الحياة لا تقل أهمية عن ضجر
الأحلام فكُل منهما هوس في التلقين وفي المُمارسة .
وأن
الجحيم الكامن في قلب كُل واحد منا لا يعد أكثر من مُمارسة عشقية وتراكُمات أدبية
محُاصرة بين مفك الواقع وبين خاتم حُب لا يفقه السحر كي يُغير من هذا الإيقاع سوى
استدلال كاتب مُلغم بكل أنواع الكلمات .
أكتب كي
تعرف كي إيقاعات القلب بشكل أكثر تفرعا وإقراء في ذاكرة كُل فرد ومُثقف لكي تعرف
كي تحلم الناس وكيف تُفكر وكيف تموت .
وأستدل
في بطل رواية (الأم) لـــ (مكسيم غوركي) عندما مارس جُنون الثورات من داخل أقبية
السجن وكيف انتصرت والدته في توزيع منشورات الطبقة المسحوقة التي أطاحت بأكبر
قيصرية روسية فيما بعد .
شُكرا
محمود ياسين وشُكرا لذاكرة الغياب حسابي الفيسبوكي الجديد والذي لم يتجاوز عُمرة
الأربعة يوم كي يعلن ذاكرة غياب أخرى وموت نهائي عودة مني لـــ جلال غانم حسابي
التقليدي كي أبداء في مُمارسة رحلة الجُنون من جديد .
جلال
غانم
Jalal_helali@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق