سائليني يا شام
يا تُرى
من منا لا يرى مع صوت فيروز كُل أفراحه وأوجاعه , كل أحزانه ومُذكراته !
من
بيروت إلى دمشق من الإسكندرية إلى تونس من عمان ومن مُدن عربية كبيرة محطات كثيرة
اختصرت جراحنا بمواويل أكثر قُدرة على الانتماء لأوطاننا أكثر من أي شيء آخر فكيف
وأنت تسمع للسيدة فيروز ((نهر بردا, سائليني يا شام )) وغيرها من الأغاني
والموشحات الجميلة التي شكلت لنا في زمن ما هاجس لزيارة سوريا هذا البلد الأكثر من
رائع حسب ما كُنت أتصوره .
دمشق
التي لطالما حلمت بأن أزورها وأنا لازلت في المرحلة المتوسطة وبداية المرحلة
الثانوية كُنت حينها أرى نهر بردى بعين أخي الراحل المُهندس(نشوان غانم) وأرى
جراحنا التي ما تفتى تُغالب العذاب الذي يأخذك من رحلة الجبل لرعية الأغنام تارة
ومن جلافه البشر تارة أخرى كي تهرب بقلبك الطاهر إلى حيث تريد .
فعندما
يُشكل مصدر الحنين في ذاتنا هاجس لاختراق جدار الظُروف والأماكن التي تُحاصرنا
خاصة إذا كانت بعيدة عن مصادر الحياة الطبيعية يتحول هذا الهاجس والحنين إلى طُهر
نظل نحمله في جوانحنا كُلما تقدم بنا الزمن نحميه بعواطفنا ونبتكر الطُرق والحِيل
اللازمة كي نقتنع حينها أن تلك اللحظات وتلك الأماكن رائعة بالرغم من تغير بعض
الظروف في ذهنية الزمن القادم .
كسُرعة
البرق ترى نفسك في بداية العقد الثالث من عُمرك وتصحى في أحد الأيام ووقع الرصاص
يخترق جدار كُل الأحلام التي ضمنت يوما ما سوف تظل رمز للسلام وشُعلة لا تنطفئ
ومنارة صامدة في وجه الزمن العربي العقيم .
كم هي
سافرة الأحلام التي نؤمن بها !
كم هو
سيء أن تتحول بُلداننا إلى مسرح للاقتتال العبثي تحت شهوة العُنف !
وما
أبشع عندما تُفكر يوما ما أن تكتب عن هذا البلد الجريح في صفحتك على الفيسبوك أو
في إحدى جداريات الصُحف ولا تعرف بعد ثواني إلا وقد تم تصنيفك طائفيا وحزبيا
وقبليا حينها تعرف جيدا أننا لازلنا أمة تعلمنا القتل قبل أن نتعلم السلام ,
تعلمنا الموت قبل أن نتعلم الحياة , تعلمنا كيف نُضطهد قبل أن نُفكر بالحرية
وياليت أحلامي لم تؤمن يما ما بقُدسية أي مكان في هذه الدنيا ولا بأي حالة حالة
إيجابية في بُلداننا التي تتحول إلى رماد في أقل لحظة .
تظل
فيروز وصوتها هي الحالة الأقدر على أخذ عواطفنا ومنحنا بُرهة بُكاء كي نعرف جيدا
أننا لا ننتصر يوما ما إلا على شكلية الحضارة , شكلية الإنسان , وشكلية الحياة .
فلا
الموت أستطاع أن يختصر عُمر قلب مُمزق ولا استطاعت الحياة أن تمنح القادم وردة
مُجردة من سُموم الحاكم ومن طواغيت الثورات ومن شبق تكبد كُل المصائب التي حلت
علينا كأمة لم تعرف إلا الغباء والقوة في ما نحن عليه .
بئسا
سوريا , بئسا يا شام فما زال سيفك قاطع ومسلول ومازالت كُل أوردتنا تعيش إيقاعات
الزمن الجميل ولا زلنا في حالة تصالح رغم تساقط الرؤوس وسوف نظل أوفياء لذكرانا
ولإحلامنا كي ننتصر ولو في عالم الخيال
فتظل
فيروز هي محُرك الرئة وهي القلب الذي نسكنه خارج خداعات الأمكنة المُلوثة بقماءة
السياسة وبارود الحُكم .
بئسا
لخريف الثورات وربيع الحُكام الذي ائتمناهم يوما ما على بُلداننا وبئسا على من
يستثمر جراح البشر وآلامهم كي يصنع إمبراطوريات حُكم جديدة على وقع الرؤوس
والجماجم مُتخذ من الدين والجهاد والعنُف الوسيلة المُثلى لتحقيق الحُلم والانتصار
.
جلال
غانم
Jalal_helali@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق