لا يفتى الوقت أن يموت


كثير من الناس يفتيك كُل ما تقترب منه تعاطفا بشيء ما ((لُغتي هويتي)) وهو لا يعرف من اللُغة إلا بعض الحُروف المجرورة التي تجرك وتجر خيباتك دون أن تستوعب شيء من ما يُقال , يهُزك ويعيدك إلى أيام الفاتحين , تنتأبك قشعريرة خوف من شخصيات مثل هؤلاء ولا تعرف كيف تُجاوبه إلا بأن تهز له رأسك تعبيرا عن حالة عُته ورفض للحالة نفسها .
وثمة من يأتيك بأن يعرض عليك أنك مُقصر في هذه الحياة ويجب أن تحضر مجالسهم وأن تسهر معهم وتقرءا أفكارهم وتؤمن بها وتتفاجا في اليوم الثاني بان هذا الشخص الذي عرض عليك التوبة والغُفران التي حشرت رأسه ولم يستطع استيعابها إلا وفقا لجهلة بأن تراه يتلون من جديد بهويات ولُغات أخرى نتيجة عامل الزمن مع اكتشافه لأكثر من قناع وفق مصادر العرض والطلب في السوق المحلية .
فـــــــ دائما ما تتخلل سلسلة التناقضات اليومية مستويات جديدة من القناعات التي توصلنا إلى مُفترقات طُرق جديدة تجعل منا مُناضلين أحيانا وقاطعي طُرق أحيانا أخرى ولُصوص وكُتاب ومهووسين .
وهذا ما يجعلنا أكثر قُربا من الآخرين أو أكثر ابتعادا نتيجة الفرمانات التي نصنعها كي نبني جيل أكثر قُدرة على الكذب والخداع أو أكثر مُجابهة على قول الحقيقة بحثا عن حالة سموا لنعيشها .
فنحن من نصنع من الوقت حالة مُثلى , ونحن من نصنع منه خطيئة , ونحن من نرى فيه حالة إطالة تمتد بين سلسلة نجاحات نحسبها بشكل أفضل ونحن من نرى فيه حالة قُصر لا تمتد إلا لقتل كُل اللحظات بحثا عن أحلام واهمة .
لا باس أن نحسب ما نتوصل إليه رصيد إضافي لحياتنا , لشخصنا نتيجة الجُهد الذي نبذله وإن كان مُضاعف ويستلزم علينا توفير لُقمة عيشنا , ولكن من العيب أن نعتبر ما توصلنا إليه في يوما ما مُربوط بقطار المُصادفة , بروائح الأصدقاء ومداراتهم , باللصق بتخزينه قبيلي , مُتنطط , بحثا عن مجد لا يعني سوى انتصارا لشهوة ما تفتى أن تموت في لحظة ما .
هذا ما يجب أن تشعر به وأنت تكتب دون تفاصيل لنوع الاتكاء والجانب الذي تكتب به ونوع القات الذي تختزله بين أضراسك بقدر ما تشعر أن وقتك مقتول وموزع بين شرايين المُدن التي تمنحك كُل يوم فجيعة جديدة ولا تعرف أين موقعك في فوضى هذا العالم القبيح .
فقط علينا أن ننظر لبندول العشق , رياح اللحظة العاصفة , غضب القلم الذي لا يعرف الانحناء , وعلينا بين في كُل ذلك أن نشعر بانتمائنا لما نكتب , أن نشعر أننا كائنات تكتب من وراء كُل الظروف وطن , ومن بين كُل اللحظات الجارفة علينا أن نتحسس ساعة الوقت فثمة هُنالك من ينتظر بوحك , من ينتظر ابتسامتك , فكُن حالة وطنية لا تعرف الذُل , ولا تعرف التراجع , ولا تعرف غير النقاء .

جلال غانم

Jalal_helali@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

26سبتمبر ... الثورة التي تعثرت فينا

شوارع وغربة ، امنيات وسفر

عدن المدينة التي تفتح ذراعيها للعابرين