ربيع الخوف , ربيع الاحتمالات
تسابُق
حكومات بُلدان الربيع العربي بتقديم خطاب إعلامي مُرضي وجيد ومُطمئن لتخدير وضعية الشارع المُلتهب
تشير إلى وجود فجوة بين المطالب العادلة التي ثارت من أجلها هذه الشُعوب وما تم
اختصاره بشكلية السُلطة القائمة بركاكتها وإتكائها على تقمُص دور المُحارب من أجل
خُروج هذه البُلدان تارة من شبح الحرب الأهلية وتارة أخرى من أجل الدفع بالعملية
السياسية إلى الأمام بأي نتائج سواء كانت مُرضية أم غير مُرضية كي يتم تحميل
الأخطاء وحالة الارتباك في العملية السياسية على بقايا الفُلول والجماعات التي
حكمت البلد ولازالت مُسيطرة على بعض الأروقة السياسية مع وجود ثقل مادي واقتصادي
لها .
حالة
التوجس التي تعيشيها هذه البُلدان مع استمرار الحراك السياسي المناوئ والمُعادي
لأي اتجاه للحكم بشكله الإسلامي أو الراديكالي المُتشدد يزداد يوما بعد آخر مع
استمرار الأخطاء والإخفاق في الحُكم وعدم تقديم رؤية سياسية أفضل كثمرة لثورات من
المُفترض أن تأتي بخطاب سياسي أفضل وتتكئ على وضعية ثورات ألهمت ملايين الناس من
أجل التغيير في شتى ميادين الحياة .
أن
يتحول هذا الربيع عند البعض إلى الانقضاض على السُلطة بمُبررات لا تحمل في طياتها
إلا الشرعيات الثورية أو ربيع الدم والشهادة غير مُقنع إن لم يكن مصحوب بجُملة
تصالُحات وإصلاحات بين القوى الحاكمة بمُختلف توجهاتها الليبرالية والإسلامية
والمُستقلة مع القوى التي تدور في فلكها .
فرهان
اليوم ليس كرهان الأمس , وقوة التواجد السياسي لا تُقترن بالمارد صاحب اللمسات
السحرية , وقوة الشراكة الوطنية تنبع من النتائج التي تُحققها هذه التحالفات .
إن
اتكاء البعض على وضعية ثابتة لإقناع الناس بأنهم الأفضل وأنهم يحكمون بشريعة
القران أو بمنهج سياسي مُعين غير مُجدية إن لم تحمل في طياتها التنوع والتعدد
والمرونة في الحكم , وهذه المرونة تعني بالدرجة الأساسية القُبول بالآخر ومحاكاة
الواقع وفق المصلحة الوطنية الواحدة وليس مصلحة الحزب الفردي الحاكم الذي يدعي
تطبيق منهج إلهي وهو في الواقع يُمارس أقصى درجات الإقصاء والتحريم والتحليل
لمُسايرة نقاط ضُعفه في الحكم كي يتم تكبيل القوى المعارضة له والتنكيل بها
وتكفيرها بدوافع المكر السياسي المصحوب بتجييش الناس وتلقيحهم بالخطابات المُناوئة
لكل من يقول لهم لا أو يعترض على طريقة حُكمهم .
الثورات
بمعناها الأصح والدقيق تعني الانتقال من وضع سياسي مُعين إلى وضع سياسي أوسع وأشمل
في الحُكم ((التغيير)) وهذا التغيير دائما ما يتكئ على قاعدة جماهيرية عريضة لها
القُدرة على إلهام وتغذية الآخر بقبوله فكرة التحول الإيجابي .
هذا
الانتقال اليوم مازال مُعلق بين مخاوف واحتمالات السُقوط إن لم يتحول في يوما ما
إلى ربيع بلا أزهار , بلا قطاف , ربيع بلا رائحة .
فالنجاة
والعُبور بسلام تتطلب دائما عملية دفع قوية , وسياسة الدفع اليوم مازالت مُعطلة
ومُصابة بجص الحاكم المُتخلف الذي يريد أن يحكم شعبة بعقلية المُنتصر والمُنقذ
لهذه الشعوب .
وهذا
المُنقذ لفضته ثورة قامت في أغلب البُلدان من أجل الخروج من ديكتاتورية الفرد إلى
شراكة وطنية أوسع تضم قوى وأحزاب وجماعات عدة من أجل الخروج برؤية سياسية جديدة
قادرة على الصُمود أكبر قدر مُمكن خاصة في الفترات الانتقالية لهذه البُلدان .
جلال
غانم
Jalal_helali@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق