دُون تكلُف
جميل
جدا أن نعيش حياتنا دون تكلف , دون اهتمام بالتفاصيل الصغيرة , بروتين الحياة
اليومي القاتل , وقلما تجد في زمن كهذا هذه النوعيات من البشر التي تصغي أكثر من
ما تقول , تتأمل أكثر من ما تكتب , تبكي أكثر من ما تغضب .
وقلما
نجد كُتاب ومُثقفين لا يحملون من وراء نضال الكلمة أكثر من بوح ذاتي , أكثر لحظات
صارخة كي يصبون حبرهم على عجل في انتظار من يفهمهم .
هل حقا
حياتنا أصبحت مُكلفة بالتفكير وبالتكفير بالعيش والملح بالقبيلة وصناديدها ,
بسُراقها ورمتزقيها ؟
متى نرى
كائنات يمنية تعيش بامتياز خارج جُغرافيا الحسابات السياسية الضيقة ؟
ومتى
نرى وطن يتقبل أبنائه من مُتحزبين ومن مُتدينين ومن مُلحدين ويهود ومسيحيين دٌُفعة
واحدة ؟
أن نرسم
أفق بقلب نابض , بفكرة ناضجة , بمصلحة تتعدى لُغة الطاقية والبطاقة المُهترئه , أن
نعبر شوارعنا دُون أن نلعن سائق الباص , دون أن نلتفت لجلباب امرأة مع الريح ,
دُون ودُون ودُون تكلف .
أن
نُقيم الأشخاص وفق لإنتاجهم , أن نعتبر رصيد النجاح بالثمرة التي نجنيها , أن نحمل
أسمائنا دُون صرخة القبيلة التي تقتل وتُلوث أسمائنا الرُباعية بــــ الهلالي -
المزحاني - الصنعاني - الحرازي - المطري - الشبواني - الريمي - السنحاني - الشرعبي
؟
متى نرى
أنفسنا وقد تحررنا من عبئ هذه الألقاب , من وساخات القوة التي تحدثها في وجه
المُتلقي لها , من أيدلوجيا الوساطات السياسية , من مُعلقات النصع والذم والقتل
والكيد ؟
أن نعيش
في وطن مطحون , وطن تتشابه في كُل اللغات والأسماء , كُل الروايات والقصص القصيرة
, كُل الثورات الناجحة والفاشلة , كُل القتلى والجرحى والشُهداء .
حقا نحن
نعيش خارج سرب العدالة , خارج سرب القانون المُفترض , خارج عصر التقنية والاتصالات
, نحن مازلنا نعيش عصر المداعه , عصر البردقه , عصر الثائر العظيم (اللص الكريم ).
ما معنى
أن تتبدد كُل الطرق , تحترق كُل المسافات ؟
ماذا
يعني لنا الوطن أكثر من علاقية أسماء نحملها , أكثر من جربة قات نحرسها في أول
الليل كي نصبح أكثر قذارة , يحتلنا ويُحاصرنا قُمقم الجهل , رائحة الماجنين , ضياع
في كُل شكلية الحياة اليومية .
متى
نبتكر شكلية أفضل للحياة , تفاصيل غنية عن ذكر مصدر القُبح , ابتسامة خاليه من أي
تكشيرة مُمكنة ؟
مازال
القادم أمامنا بحر ومدينة , ولا زالت المدينة طلاسم تختفي في إطلاله الأمل البعيد
.
ومازلنا
مُثقلين حتى هذه اللحظة بأسمائنا , بألقابنا , بديدنات الكُره وضغوط الحياة .
سوف
تشعر في لحظة أنك تعيش دُون كُلفه تُذكرعندما ترى
اسمك مُتحرر من نتانة قبيلة أو حزب أو طائفة , عندما تنظر للسماء دون أن
تنتظر المطر , عندما ترى من الدعاء مصدر للخير والسعادة .
حقا نحن
بحاجة إلى حياة أخرى نعيشها دون تكلف .
جلال
غانم
Jalal_helali@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق