سرحان مازال يشرب القهوة في الكفاتيريا
بين
الفينة والأخرى تُطالعنا صُحفنا بفجاجة الواقع الثقافي وما يحمله من حالة بؤس
وتغييب كُل خطابات القوة في مشهد ما بعد وقبل الفراغ .
فعندما
كُنا نقرا في يوما ما قصيدة (سرحان يشرب القهوة في الكفاتيريا) للشاعر الفلسطيني
محمود درويش كُنا نعي جيدا بأن حالة التخدير التي يُعاني منها سرحان ومن حوله
أجيال كثيرة في عالمنا العربي ومدى حاجتها في الانتقال من حالة القراءة والتأمل
إلى حالة الخوض في واقعنا المُبتذل لم نكن نعي أننا سنعرف اليوم أن سرحان مازال
يشرب القهوة في الكافتيريا كعادته وما زال مع سرحان كثير من المطر والرصاص والأرض
والسُجاد التي قالها محمود درويش في يوما ما بين الفينة والغُربة .
إن
الاستناد اليوم على واقع مُعلق بين تراحيل الكلمة وبين حالة الفوضى التي تنخر في
الحناجر كتغييب نهائي وقيمي وحالة عدم نهائية وفجاجة لن نخرج من دوائرها إلا وقد
تم تشريح أحلامنا ورمينا في أقرب قالب زمني سحيق .
الُمتهم
بالسكوت , الكاتب الذي لا تجد فكرته من يتلقيها , الوطن الذي يموت في أروقة ما
نقول كُل ذلك بتواجد بمحصلة تفتقد لكثير من إيقاعات الحياة داخل مُختبرات حياة
قابلة للأخذ والرد والعطاء والسُقوط مُتمسكين بقوة المُصادفة وحالة النضال التي
نصنعها لتغيير كُل جبهات الواقع المرير .
وقد
عرفنا اليوم وصية سرحان (أنت لا تعرف اليوم . لا لون . لا صوت . لا طعم . لا شكل
.. يولد سرحان , يكبر سرحان ) .
كُل شيء
يكبر فينا اليوم بلا هوادة , نُعاني من اختلاف الهوية وازدواجيتها , نبحث عن أوطان
كي نصحو معها ونتصالح معها .
مُحصلة
الحياة عندما يتم اختصارها بطلقة بندقية أو بسجن يتسع لمئات السُجناء أو بحافلة
تقل مجموعة مُعاقين لا يجيدون الحركة أو بنظام سياسي يعرف كيفية السيطرة على
المساحات الضيقة كي يمنح الأفق صدى بلا أغنيات كي يُذكرنا ذات يوم أن صوت فيروز
مازال يصدح وأن الواقع يشيء بكُل الفرص الذهبية التي لا تتسع لحُلم بليد لا يجيد
القراءة والكتابة .
ما
نعيشه أشبه بحالة تيه نتصالح معها في لحظات ونتناقض معها في لحظات أخرى .
كُل ذلك
يصنع منا حالة فراغ تصطدم مع واقع مُلون بكامل التناقضات .
فأنا
مازلت أؤمن بأن سرحان مازال نائما وما زال يشرب القهوة في ليل ما قبل الممات وأن
قُبعته لازالت كما هي حالة اصفرار تنتظر اليوم التي تُحرر فيه الأرض والقصيدة
والوطن والإنسان .
جلال
غانم
Jalal_helali@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق