أبا قيس باقة حِبر وورد على ضريحك
جار
الله عُمر من أتقن يوما ما قتلك يعرف جيدا بأنه لن يتوانى عن إهداء جُثتك لجلاوزة
يدفعون ثمن الدم كي يرضون جُمهورهم , كي يروا أنفسهم كـــــــــ فاتحين وهم لا
يعرفُون أنهم غُزاة قاتلي النفس المُحرمة , لأنهم من يتقنون لُغة الدم , من
يبحثُون عن ضحايا وأبرياء جُدد كي يسحقوا حُلمهم وحُلم أوطانهم التي ضاقت بهم ذرعا
.
تعرف
سيدي أن بلادك التي حلمت بإقامة دولة مدنية ديمقراطية فيها تّذبح اليوم باسم
الثورة وباسم الوُحدة وباسم لُصوص كُل يوم يطلون من على شبابيك القُبح كي يرموننا
بسهام الموت والخديعة .
بلادك
التي حلمت بها كوطن تسكنه قُلوب الفقراء والمُحتاجين , أصبحت اليوم مرتع لُسراق
المال العام وخاطفي الثورات وأن ربيعك هو ربيع الوطن والذي أصبح اليوم ربيع
للطوائف ومُرتادي ثقافة الحُروب .
سيدي :
مازال الوطن اليوم بلا عنوان , بلا تاريخ , بلا رائحة , أنه مُجرد قُفاز ظلامي
يُعانق كُل يوم ويُلامس دياجير المجهول لأن الظلام مازال مُخيم على مُستقبل لا
نعرف ملامحه بالرغم من أنك رسمته لنا يوما ما بعَرقك وكفاحك لأنك تؤمن بتجربة
الكفاح في إحداث التغيير ولم تكن تتصور يوما ما أن الوطن سوف يُسرق باسم مُناضليه
, لم تكن تتصور يوما ما أن هُنالك تكتل سياسي يُعاني اليوم من حالة شيب نهائية
وعُجز والذي يُجيد فقط فرز السُموم .
سيدي :
ما زالت بلادك التي حلمنا بها معك تُسرق الأسماء منا , ما زالت تحتضر في انتظار
موتها النهائي
مازال
اليمن بشماله وجنوبه يخضع لقوة البارود إخضاعا وجبروتا ومصلحة لم تُحقق لنا إلا
ازدياد مساحات الوجع والفقر والتشريد .
نحن
الفٌقراء من نُعيش الحُلم ونموت دونه لأننا آمنا معك يوما ما أن تحقيق مبدءا
الحُرية والعدالة لن يتحقق إلا بزفرات طويلة من الصبر والسلام , لأننا أدركنا أن
السيوف المسلولة لا تذبح إلا الناس العُظماء .
في
مُناسبة كهذه لا أجد سوى الدموع تنهار على خدي لأني لم أعد أؤمن بأن هُنالك من
يبحث عن لُغة السلام , من يبحث عن وطن للجميع خارج حسابات الساسة .
فالرصاص
لم يعُد يُشكل إلا موته واحدة بالنسبة لنا لأنهم قتلوك في لحظة تصالح لأنهم
ارتادوا قلبك كي يُعلقوا عليه لعنة سوف تُطاردهم ما بقوا على قيد الحياة , لأنهم
قتلوا قبلك شاعر الإنسانية العظيم لوركا في مزارع الرز برصاصة اخترقت ظهره لترديه
جُثة هامدة .
تاريخ
أوطاننا مازال مسفوح بين أيادي الجلادين , مهدور بين بائعي الريالات ولأننا نكفُر
بقُدرتهم على البناء فإننا نؤمن جيدا بإن السكين التي تؤغل في الظهر أو في ثنايا
القلب لا يُمكن في يوما ما تُهدينا وردة أو على الأقل تستطيع أن تمنحنا شقفة حياة
لان فاقد الشيء لا يعطيه فهم لا يملكون إلا لُغات بحجم الموت .
اليوم
لا أجد بجانب ضريحك سوى حُلم يرتفع منسوبة كُل يوم طالما وقوة النضال مُستمرة
وطالما هُنالك من يتخذ من التضحية سبيلا للانتصار .
فيا
سيدي نُم قرير العين فأيامنا كُلها بعدك عزاء , وطنا مازال يختنق بغصة العُنف
والقتل والفراغ , وما زالت نجمة الغد التي حلمنا بها معاُ تُعاني من حجب الظهور .
نُم أبا
قيس فلا يسعني في مُناسبة كهذه إلا أن أضع إكليل حبر وباقة ورد على ضريحك كي ينبُت
يوما ما من يُنادي منا بقيم لا تقبل المُهادنة وبوطن لا يقبل بين أضلاعه القتلة
ولُصوص الثورات وتأكد بان هُنالك جيل ثائر قادم سوف يأخذ بحُلمك إلى طريق النور .
جلال
غانم
Jalal_helali@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق