كم أشتهي أن تأخذني دوخة الكلمات ...!
انكسارات
العائد من الحرب رُبما لا تُقابلها أي انكسارات أخرى فمنطق اللحظة المُتاح
يوحي بحالة صراع ذاتي وذهني تتجاذب فيه كُل
الأوجه التي سبق وأن حملت ذاكرة حرب وتفاصيل تعثرت فيها كي تسطو على مُستقبلهم
وتلهمهم ديمومة خُوف دائمة .
كــــــــــ
كائن لا يعرف من الموت سوى لحظات الصراخ تستدرجه كُل التفاصيل , تعتريه أسئلة
الفراغ , لُغات التعثر , يستحضر في ذاكرته - كرجُل يحمل أكثر من قلب - مُواجهات الموت , خفقان وهدير المعركة , يستبسل
وكأنه يرى في أُم عينية (الدون الهادئ) يُواجه
جُيوش الحُلفاء على ضفاف السين ويمنحهم ضحكته المُجلجلة التي تزيل عنه أي إمكانية
للخُوف في مُواجهة الموت .
ما زال
يتقلد سيفه الخشبي تيمنا بــــــــــــ (دونكيخوته) ليُواجه جُزر البحر الأبيض
المُتوسط بسيفه الذي نال على قُبح وجُبن الإنسان .
حماسته
تُقابلها عملية تجميع لـ لُغات الحرب , يشتهي كُل لحظة كلمات تنقذه من لحظات
المُوت المُحتمة , لا يرى شيء , لا يتحرك , ترتعش رجوُلته , ترتعد فرائصه , يُحاول
أن يمنح نفسه استراحة كي يستجمع بعض من قوته وشجاعته في المُواجهة القادمة .
من
يعتقد أن الأدب لا يتطابق مع لُغة الحرب فإنه لا يفقه شيء فالحرب كما كان يقول لي
صديق هي من تخلق لُغات بحجم التجلي والشجاعة كي تمنح قارئها نُبل وزهد دائم .
يشتهيك
دائما أن تكتبه بوريدك الحار , بعرقك , بــــــ بارودك الذي القابل للانفجار ,
بحُلمك الذي لا يصدى ولا يموت .
أشتهيك
أن تمنحني بوحك الدائم , سموك البهي , عطرك الذي لا يتخثر , صوتك الذي لا يموت
أردت أن
أمنحك شضايا حرب لا تعرف الانتصار , معابر لا تخترق الأجساد , لا فرق بينك وبين
الموت
كم كُنت
وحدك في مواجهة موتك الذي يزحف عليك دون انتظار ؟
شامخ لا
تعرف الهزيمة ؟
قوي لا
تعرف الانكسار ؟
كم
أشتهيك اليوم أن تأخذني كلماتي في رسم ملامحك , كم أشتهي أن أحولك إلى نهر من
الحبر المُتدفق على خلايا الذاكرة ؟
لم أكن
يوما ما إلا سطورك وطن يحتضر ويمنح القادم لحظاته المُمتعة , ولم أكن في تاريخك
إلا نجمة ذهبية تتحدي ضوء النهار وتسطع مُعلنة بداية للقاء جديد .
أتمنى
أن أكتبك , أتمنى أن أكتبك
وأتمنى
أن تأخذني دوخة كلمات كي ترميني في حضرة غيابك
أتذكر في
هذا المقام ما قاله الكاتب والروائي الجزائري واسيني الأعرج :
((كم أشتهي أن تأخذني دوخة الكلمات التي ترميني خارج هذه الأرض
القلقة))
جلال
غانم
Jalal_helali@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق