فريدمان ونهاية عصر التعامل بالجُملة


في إحدى المقالات لــ توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عقب الانتفاضات العربية للإطاحة بالزعامات التي تربعت على عرش الحُكم طوال عقود من الزمن كتب فريدمان :
((إذا أمعنا النظر فى مختلف فاترينات «المحال» فى الشرق الأوسط، لأدركنا بصورة متزايدة أن الانتفاضات العربية توشك أن تنهى عصر «الشراء بالجملة فى الشرق الأوسط» وتبشر بعهد جديد لـ«الشراء بالتجزئة فى الشرق الأوسط». وسيضطر كل من يريد الاستقرار إلى دفع المزيد)) .
إن نهاية عصر التعامل بالجُملة الذي كان سائدا ما قبل الربيع العربي والذي كان مفهوم التصالح يعني بناء علاقة متكاملة مع رئيس أو شخص كتصالح أو تعامل بالجُملة نيابة عن ملايين الأصوات الرافضة في هذه الشعوب بسبب تعطيل القيمة الحقيقية للشعوب في إحداث أي تغيير حقيقي سواء في الانتخابات الشكلية أو في المجالس البرلمانية والمحلية كتمثيل مُقنع لها في أي قرار سياسي .
هذا التعامل بالجُملة وتحوُله إلى تعامل بالتجزئة مع شعوب المنطقة سواء في فُرص السلام مع إسرائيل أو مع إيران أو مع الحكومات والشعوب نفسها كي يتم الدفع بالاستقرار أو طُرق الحرب أو السلام كثمن لقرارات حقيقية تُمثل ملايين من الأصوات في هذه الشعوب .
هذا الثمن هو الخُروج عن حُكم الفرد الواحد صاحب القرارات المصيرية
يليه التغيير الجذري ليس في الوزارات أو مُدراء المؤسسات والمصالح الحكومية كما هو حاصل اليوم في اليمن وبقية البُلدان بل التغيير بالإرادة الوطنية والسياسية والمصحوبة بقوة القانون
فالإصلاحات الزائفة التي أوهمتنا بها الحكومات المؤقتة لما بعد الربيع العربي لم تكن مُقنعة بدلالة عدم توفر رؤية حقيقية للحكم أو وجود بدائل تحل محل الفراغات السياسية والدستورية في هذه البلدان .
هذا البديل غير الموحد كخليط ديماغوجي إيقاعه يصطدم مع مُكونات الحُكم ومع المُكونات الثورية والوطنية الحقيقية .
فنهاية هذا العصر ليس بقيمته الزمنية بل بطيء صفحة نُظم الحُكم (الديكتاتورية) التي أوهمتنا لردح من الزمن بأننا مواطنون صالحون وبأن الجنة هي طريقنا الأوحد كقيمة لصمتنا المُبارك في نهب هذه البُلدان وتحييد قراراتها المصيرية بيد أشخاص همهم الوحيد هو الانتصار لأنفسهم قبل مواطنيهم وإرساء أنظمة جُمهورية ما بعد التوريث .
عصر التعامل بالجُملة لم يعد صالح اليوم إلا بالتمثيل الحقيقي للشعوب وهذا التمثيل اليوم هو يعني بشكل أو بآخر تعامل بالتجزئة على كُل فرد في هذه الأنظمة للوصول إلى القيمة المُثلى في الحكم أما دون ذلك فإننا نعي جيدا أننا لازلنا في نقطة ما قبل عصر التعامل بالجُملة الذي ما زال سائدا حتى يومنا هذا .

جلال غانم

Jalal_helali@hotmail.com


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

26سبتمبر ... الثورة التي تعثرت فينا

شوارع وغربة ، امنيات وسفر

انا لم اكبر ورفاقي الصغار بعد ...!!!